نتيجة لانفتاح المجال السياسي في مصر بعد الثورة تمكن الإسلاميون لأول مرة في التاريخ المعاصر من المشاركة السياسية في العملية الديمقراطية. صحيح أن جماعة الإخوان المسلمين خاضت الانتخابات البرلمانية منذ منتصف الثمانينيات وحصلت في انتخابات برلمان 2005 على 88 مقعدا، غير أن ذلك لم يكن إلا ضمن لعبة السياسة التي وضع نظام مبارك شروطها ووفق الديمقراطية الصورية التي كان يحرص عليها مبارك إرضاء للغرب، فقد كانت اتفاقات تجرى قبلها بين الجماعة والحزب الوطني سواء أسفل المنضدة أو فوقها لتوزيع مقاعد البرلمان. الجديد في المشاركة الديمقراطية بعد الثورة أن الفضاء السياسي استوعب التيار السلفي، وهذا في حد ذاته كان تطورا كبيرا لأن السلفيين كانوا لفترة قريبة للغاية يكفرون العمل السياسي ويكفرون الديمقراطية. الجديد أيضا أنهم حصلوا على أغلبية (السلفيون والإخوان) في أول برلمان بعد الثورة. هذه الأغلبية في رأيي لم تكن أفضل ما حدث للتيار الإسلامي، وبخاصة للسلفيين الذين يخوضون السياسة للمرة الأولى، فقد ظهرت عدم جهوزيتهم للعمل السياسي بصورة غير معقولة، فيما كان اصطدام شعاراتهم بالواقع مفجعاً لأنصارهم الذين فوجئوا ببعض قياداتهم الروحية يبررون القرض الذي تعتزم مصر الحصول عليه من البنك الدولي فضلا عن تفجر مفاجأة زيارة هؤلاء القادة الروحانيين للفريق أحمد شفيق قبل نتيجة انتخابات الإعادة، ليس هذا فحسب بل وتبرير الأمر بتبريرات بدت غير مقنعة لكثير من القواعد. هذا بالنسبة للسلفيين أما بالنسبة للإخوان الذين وصلوا للحكم رسميا بدخول مرشحهم قصر الاتحادية فقد اكتشفوا -واكتشفنا- عدم توفر كوادر سياسية وتقنية لديهم لملء الفراغ الذي خلفه رجال مبارك في كافة مؤسسات الدولة. الأزمة إذن متشعبة، سواء في قلب التيار السلفي، أو في قلب جماعة الإخوان. فعلى مستوى جماعة الإخوان تجد الجماعة نفسها بلا ظهير شعبي حقيقي، فقد انخفضت الأصوات التي حصلوا عليها في شهور قليلة (مقارنة الأصوات التي حصلوا عليها في مجلس الشعب بالأصوات التي حصل عليها الرئيس مرسي تكشف عن ذلك بشكل لافت) فضلا عن أن انفتاح المجال السياسي سمح بتنشيط التيار اليساري والليبرالي بما ساعد على خلق جبهات معارضة قوية، إضافة إلى أن الأسابيع الأخيرة شهدت تحالفات واندماجات داخل تلك التيارات المدنية المعارضة، بل وبين اليسار والتيار الليبرالي أيضا في مواجهة تنامي التوسع الإخواني، فيما سماه البعض بأخونة الدولة. وبخلاف كل ذلك فإن قلة الكوادر الإخوانية إضافة إلى التشكك المتأصل في الجماعة لعملها السري لسنوات طويلة وضع الجماعة في مأزق كبير فوجدت نفسها أمام أحد المسارين التاليين: فإما أن تعيد توزيع المناصب الكبيرة والمراكز المؤسسية في الدولة على أبناء الجماعة مما يعرضها للهجوم من المعارضة، فضلا عن أن فشل هؤلاء في إدارة الدولة قد يعرضها للانتحار السياسي، وإما أن تشارك التيارات السياسية الأخرى إدارة الدولة للاستفادة من كوادرها ما يعرضها للذوبان السياسي ويفقدها مزية التحدث باسم المشروع الإسلامي، لأن الأخير نفسه لن يكون متاحا، بل سوف يكون مؤجلا بشكل نهائي. إلا أن المشكلة الأكبر في ظني بالنسبة للجماعة أنها حتى الآن تبدي صرعة للسلطة غير مبررة، كما لو أنها حتى الآن لم تصدق أنها في السلطة، وتراودها في أحلامها عودة مبارك مرة أخرى! ولهذا تبدي تشددا كبيرا في التعامل مع المعارضة، وتحاول الحفاظ على نفسها كجيتو داخل الدولة خوفا من ذوبان الجماعة في المجتمع، وليس أدل على ذلك من حشد أعضائها في الباصات ليملأوا مدرجات ستاد القاهرة للاحتفال مع الرئيس بذكرى نصر أكتوبر، كما لو أنها ترغب في الإبقاء على الرئيس مرسي كمرشح لها للأبد. هذا فيما يخص أزمة جماعة الإخوان، أما فيما يخص التيار السلفي فإن الأزمة تتبدى بشكل كبير في الصراع السياسي داخل حزب النور، الذراع السياسي للتيار السلفي، فقد كشف هذا الصراع عن تناقضات داخل التيار السلفي نفسه، بل إن بعض كبار الدعوة السلفية هاجموا مشايخ الدعوة في التيار السلفي بالإسكندرية باعتباره يرغب في الهيمنة السياسية على الحزب الذي نشأ كرغبة في توحيد المدارس السلفية على اتساعها في كيان سياسي واحد. ومع هذا فإن الأزمة الحقيقية التي تهدد الحزب والتيار السلفي هي تورط القواعد في الخلط بين تفنيد المواقف السياسية لقادتهم وبين الاحترام الذي يصل أحيانا لحد القداسة لهؤلاء القادة، وأيضا -وتلك مفارقة- في شعور بعض القواعد بالصدمة الكبيرة في هؤلاء القادة مما يعرضهم لليأس والارتداد عن المشاركة في العمل السياسي، وهو ما يفسر انسحاب عدد كبير من حزب النور خلال الفترة الأخيرة. وفي رأيي أن حزب النور بالذات أمام تحدٍ كبير لو لم يفكك العلاقة بين المدرسة الدعوية وبين العمل السياسي.