تشهد أروقة مخيم عين الحلوة ظاهرة مستجدة بدأت ترسم فصلاً جديداً في مسار حياة القاطنين فيه. التوتّر سيّد الموقف. المسلّحون ينتشرون في كل مكان. يترقّبون الوضع لحظة بلحظة لمعرفة هوية القتيل الجديد، مقنعون مسلّحون يخرجون لتنفيذ عمليات اغتيال ثم يختفون. يتوارون عن الأنظار ولا يعرف أحد الجهة التي تحرّكهم، لكنهم تمكنوا، حتى الآن، من اصطياد رجلين. القتيلان كانا يعملان مرافقَين لنائب قائد الكفاح المسلح (التابع لمنظمة التحرير) محمود عبد الحميد عيسى المعروف ب «اللينو». لم يتبنّ أحد اغتيالهما. كل فصيل من فصائل المخيم دفع التهمة عنه. غسل يديه من دمهما، واتّهم «طابوراً خامساً». يتحدث مسؤولو الفصائل عن فتنة يحاول مجهولون إيقاظها. محاولات إشعال المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان مستمرة، لكنها لم تنجح بعد. أما استمرار التوتّر على حاله فينذر بوقوع المحظور. أمس، أطلق مجهول مقنّع النار على أحد مرافقي نائب قائد الكفاح المسلح الفلسطيني محمود عيسى، عبدو فستق، في سوق الخضار في مخيم عين الحلوة. أُصيب فستق إصابة بليغة في صدره، نُقل على إثرها إلى مستشفى لبنان الطبي في صيدا، لكنه ما لبث أن فارق الحياة. «فستق» هو المرافق الثاني ل «اللينو» الذي يقتل خلال الأيام الخمسة الأخيرة. والاستغراب أن الاختراق جاء وسط الاستنفار الذي لم يهدأ منذ أيام على خلفية قتل مقنّع مجهول، مساء الأربعاء، للمرافق الشخصي ل «اللينو»، الملازم أشرف القادري. وذلك بعدما دخل إلى دكانه وأرداه قبل أن يتوارى عن الأنظار. التصعيد في العملية، وقوعها في حي الصفوري، القريب من منزل اللينو. إذ أن المنطقة تعد مربعاً أمنياً، صعب الاختراق، لحركة فتح.
فُوّهة بركان يؤكد أمنيون لبنانيون أن «مخيم عين الحلوة يتأرجح على فوّهة بركان». يتحدث هؤلاء عن قرار اتُّخذ بتصعيد الوضع، لا سيما أنه جاء بعد سلسلة من التوترات بدأت في الآونة الأخيرة. وسبق بدء عمليات الاغتيال، تمثّل بزرع عبوات ناسفة كانت تنفجر بين الحين والآخر من دون معرفة الجهة التي تقف وراءها. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن العبوات الناسفة والاغتيالات لم تكن أول الغيث أيضاً، فقد سبقها بروز فصيل جديد في المخيم أُعلن عن نفسه من خلال منشورات جرى توزيعها تحمل توقيع مجموعة إسلامية أطلقت على نفسها اسم «أنصار الإسلام». وحددت هذه المجموعة في منشوراتها ثلاثة أهداف لها داخل المخيم هي: «تجار المخدرات، مروّجو الدعارة والخمر، وأخيراً العملاء والجواسيس».
فتح تتهم «جند الشام» في ظل التوتّر الحاصل، يحمّل مسؤول في حركة فتح مسؤولية الاغتيالات لبقايا «جند الشام» في المخيم. ويرى المسؤول المذكور أن هؤلاء العناصر هم المستفيدون الرئيسيون من ضرب الاستقرار في المخيم. ويأتي كلام المسؤول الفتحاوي متوافقاً مع سياق الاتهام الذي أطلقه نائب قائد الكفاح المسلّح «اللينو» عقب بدء التوترات. فقد اتهم «اللينو» بداية تنظيم فتح الإسلام المحظور الذي يترأسه الشيخ أسامة الشهابي. لكنه ما لبث أن عاد واتّهم كتائب عبدالله عزّام بالوقوف وراء هذه العمليات. في المقابل، نفى كلا التنظيمين التهم المساقة بحقهما. وأكّد أحد أعضاء تنظيم «فتح الإسلام» أن لا علاقة لأي من أفراد التنظيم بما حصل، فيما رأى مقرّب من كتائب عبدالله عزّام أن «جهات خارجية تسعى وراء تفجير الوضع». وسط أخذٍ وردّ وتقاذف للتّهم، يستغرب مسؤول أمني متابع لوضع المخيم أن يجري «اصطياد مرافقي اللينو بهذه السهولة كالعصافير». ويرى المسؤول المذكور أن فشل «جماعة اللينو وحركة فتح يأتي بعد تعثّر مسألة الشرطة المدنية داخل أزقة المخيم».
اشتباكات أم رَدّ اعتداء؟ بلغ التوتّر أشدّه أمس. وقعت اشتباكات متقطّعة بين عناصر من «جند الشام» وأخرى من «حركة فتح» في حي الطيري داخل مخيم عين الحلوة. تبادل الطرفان إطلاق النيران طوال ساعات المغرب في الشارع الفوقاني داخل المخيم. وفي هذا السياق، يبرّر مسؤولون في حركة فتح ما يجري بوضعه في سياق «رد الاعتداء الذي لا يكون عشوائياً». ويتحدث أحد المسؤولين عن تموضع للجماعات المتطرفة داخل المخيم، إذ أشار إلى رصد تحرّك مجموعة لعصابة جند الشام باتجاه وكر أميرهم أسامة الشهابي. ولفت إلى أن ذلك استدعى عناصر حركة فتح إلى «إطلاق النار عليها لردها إلى أماكن وجودها». وفي معلومات خاصة ل «الشرق»، فهناك محاولات لاغتيال نائب قائد الكفاح المسلّح محمود عيسى الملقّب ب «اللينو» من قبل جماعة تنظيم فتح الإسلام. وقد نقل مسؤول مقرّب عن أمير التنظيم المحظور أن «اللينو» «يحمل وزر تهجير أبناء المخيم المسلمين من منازلهم». كما يتّهمونه بالتعامل مع استخبارات الجيش اللبناني الذي يخضع لسلطة دولة ليست مسلمة، لتحصيل مصالح خاصة ترتقي على مصلحة أبناء المخيم. وتُجمع القوى الفلسطينية في مخيم عين الحلوة على أن الهدف من الأحداث الأخيرة العبث باستقرار المخيم. ويتحدث هؤلاء عن تسلسل الأحداث الأمنية التي بدأت منذ قرابة أربعة أشهر. الرأي السابق يجمع عليه كل من قادة حركة فتح والقوى الإسلامية في المخيم التي ينطق باسمها الشيخ جمال خطاب. ويضع هؤلاء ما يجري في سياق حملة منظمة لا تنفصل عما يجري في المنطقة ككل. ويرى هؤلاء أن «عين الحلوة هو أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان»، مشيرين إلى أن «أي نكسة يتعرض لها المخيم ستنعكس على وضع كل اللاجئين في لبنان». الأمور لا تزال تحت السيطرة، يخشى مسؤولون فلسطينيون وآخرون لبنانيون متابعون لشؤون المخيم، أن يُعاد سيناريو مخيم نهر البارد في عين الحلوة «توتر محدود يسبق الانفجار العسكري». لكن رغم ما سبق، يؤكد مسؤولون أمنيون أن القرار بإشعال المعركة لم يتّخذ بعد. يستند هؤلاء في معلوماتهم إلى تأكيدات مسؤولي الفصائل الفلسطينية داخل المخيم. ويضع هؤلاء ما يجري من اشتباكات في «إطار المناوشات الخفيفة»، وليس أكثر من ذلك. الهدف لم يتضح بعد، لكن الواضح أن هناك توافقا على «إغراق اللينو سياسياً إن لم يكن قد اتّخذ قرار تصفيته بعد».