لا تحتاج الأم إلى لغة الكلمات في تعاملها مع رضيعها. إنها تقول «أحبك» من دون استخدام حرفٍ واحد من الكلمة. والرضيع لا يتحدّث أصلاً، ولم يبنِ قاموسه اللغوي بعدُ. مع ذلك تصله الرسائل الحميمة من أمه في تعابير وجهها، وتموّج صوتها، ولغة جسدها. وهو بدوره يُرسل إليها رسائل جسدية وصوتية فتتفهم حاجاته. ولا يحتاج ملاكمان في حلبة إلى كلام أيضاً. جسداهما يتكفلان باللغة، وتعابير وجهيهما تتبادل الرسائل، والقبضات تركز على أساس التخاطب. رسائل الأم مثل رسائل الملاكم؛ تصل بوضوح فتؤثر، وتُنتج ردّ الفعل المناسب. الحبّ للحب، والعنف للعنف. وعملياً؛ لا يحتاج كلاهما إلى أن يتكلّم. ولو قُدِّر لأي من طرفي التراسل أن يتكلم لاحتاج إلى لغة جسده أيضاً. الأم لا بدّ لها أن تستخدم عضلات وجهها لتتبسّم. والملاكم لا بدّ له أن يستخدم عضلات وجهه أيضاً لينتفش..! إنها مسألة فطرية، لا أحد يدرّب أحداً عليها، ولا يُمكن تعليمها في المدارس، على الرغم من كثرة المفتين في تطوير الذات والهندسة العصبية ومسائل التواصل والاتصال. ولو قُدِّر لطرفين أن يتخاطبا باللغة، اللغة فقط عبر برنامج لغوي إلكتروني؛ لاحتاج كلّ منهما إلى جهد مضاعف ليعوّض فقدان لغة الجسد، وتعابير الوجه، ونبرة الصوت، وحركة الحواجب، والأيدي، والأكتاف. اللغة عارية في التخاطب الإلكتروني، ليس فيها إلا الكلمات. والكلمات وحدها قد لا تكون كافية لإيصال الرسالة. إنها توصل %7 فقط من الرسائل، على حدّ فتاوى فقهاء الهندسة العصبية. في حين توصل لغة الجسد %57 من الرسائل، وتوصل نبرة الصوت %36. وسواء صحّت هذه الفتاوى أم لم تصحّ؛ فإن حال تواصلنا الاجتماعي الإلكترونيّ ينبّه إلى أننا وقعنا في فخاخ الانفعالات المستمرّة في تعاطينا مع الحوارات. ولو قُدِّر لأي متحاور أن يجلس قبالة محاوره؛ لكان الحوار أقلّ سوءاً من ذلك الذي نعيش توتراته ومطاحناته في تويتر وفيس بوك.. وسائر وسائط التشاتم.