سوريا الحالية لها حضارة قديمة قدم التاريخ، بل إن بعض مؤرخي الآثار الذين يستندون على الأحافير والنقوش القديمة يرون أن سوريا سكنها البشر قبل التاريخ، ويحددون أن عمرها أكثر من ثمانية آلاف عام، وأنها أقدم الحضارات على وجه الأرض، ودمشق أقدم مدينة في التاريخ وأقدم العواصم التاريخية، المؤكد أن سوريا مرت بها الحضارات السامية القديمة منذ نشأتها مروراً بحضارات الممالك الآرامية، وصولاً إلى العصور المختلفة الآشورية، والرومانية، والفينيقية، وغيرها، وقد تعرضت بلاد الشام للغزو المقدوني والروماني الذي مكّن الروم منها ذات وقت، وعدّوها مركزاً مهماً للإمبراطورية الرومانية الشرقية، وعاصرت كثيراً من الحروب، والقلاقل والفتن، فهي مطمع لكثير من الإمبراطوريات المتعاقبة نظراً لما تتمتع به من موقع جغرافي مميز على حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي جعلها همزة الوصل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، واستمرت الإمبراطورية البيزنطية حتى الفتح الإسلامي في خلافة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ومنذ الفتح الإسلامي أصبحت سوريا ولاية من ولايات الخلافة الإسلامية التي عاصمتها المدينةالمنورة، وتعاقبت الخلافات الإسلامية بدءاً بعهود الخلفاء الراشدين ثم الدولة الأموية التي جعلت دمشق عاصمتها، ثم الخلافة العباسية والدولة العثمانية آخر الإمبراطوريات التي كانت تحكم البلاد قبل أن تنشأ الثورات العربية والمناداة بالقومية العربية، التي أسفرت عن الوحدة بين مصر وسوريا تارة، والعراق وسوريا تارة أخرى، ورحلت كل الحكومات والإمبراطوريات وبقيت سوريا الأرض والإنسان. كان لابد من هذه المقدمة التاريخية للدخول إلى سوريا ما بعد الثورة العربية الكبرى التي اندلعت بدعم الحلفاء لتخليص دمشق من حكومة الرجل المريض، لتستقل بحكمها الذاتي منذ مائة عام تقريباً، حيث كانت الحكومة ملكية ثم مرت بمراحل تغيير حتى أصبحت جمهورية سوريا الحالية التي تعدّ ركناً مهماً من أركان السياسة العربية في مواجهة الأحداث القومية والسياسية والاقتصادية على مستوى العالم، قبل انهيار العراق وبعده، ودورها القوي كأحد أهم التحالفات ضد الامبريالية والتوسع الصهيوني للاستيطان، وعلى الرغم من كل الإخفاقات التي أدت إلى الهروب من وجه الحدث، إلا أن هناك ضرورة عربية ملحة لاستمرار سوريا في القيام بدورها، ولو باسم التحالف، للوصول بالمنطقة العربية إلى بر الأمان، فضلاً عن التحالفات التي خرجت من رحم سوريا وتزعمتها حركات المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامي، والمقاومة اللبنانية حزب الله وغيرها من الحركات التي حظيت برعاية نظامها. وإذا عدنا إلى المؤسسة الدينية في سوريا فهي أحد المحاور الثلاثة التي تصدرت عنوان هذا الموضوع وسنتحدث فيه بشيء من العمق، ففي الدستور السوري أن المواطن حر في اختيار الديانة التي يريدها، على اعتبار أن تكون البلاد مفتوحة لجميع الديانات السماوية، وعلى شرط أن تكون ديانة الرئيس هي الإسلام، وفتح المجال لجميع الطوائف الإسلامية والمذهبية، للعيش على حد سواء، السنة والشيعة والعلويين والإسماعيلية والدروز، وهنا تكمن القضية الكبرى في سوريا، حيث إن الدين القويم شرط أساس للحكم القويم، وما صاحب القيادة السورية من عبث حزب البعث الذي ثبت فشله وأدى إلى تردي الحال، وأصبحت البلاد تئنّ تحت وطأة الحكم الديكتاتوري الذي لازمها أعواماً عديدة حتى فاض الكيل بالشعب، وبدأت ثورة الربيع العربي أسوة ببقية البلدان العربية التي يطالب شعوبها بالإصلاح والتغيير. كيف هو الوضع في سوريا الآن؟ هذا سؤال كبير بحجم المأساة التي يتعرض لها الشعب السوري الشقيق، بمساعدة من روسيا التي فعلت الأفاعيل، حيث لعبت موسكو لعبة خبيثة عندما وقفت مع طاغية دمشق ونظامه الفاسد للتنكيل والتعذيب بالسوريين خلال الفترة الماضية، ومازالت تراوغ حتى الآن، والمجتمع الدولي يقف مكتوف الأيدي ومغمض العينين، ويندد ويدين ويكتفي بذلك حتى كتابة هذا المقال. وفي ظل هذا التعنت من قِبل بشار تزداد الأمور سوءاً، وأخشى ما أخشاه أن تعم الفوضى بشكل أكبر وتتقسم سوريا إلى دويلات، فالأكراد منذ زمن وهم يطالبون باستقلالهم مع إخوانهم في شمال العراق، والعلويون يستقلون بالساحل، ويبقى الانتقام السائد والمسيطر من جميع الأطراف على الفكر والعقل لدى جميع الأطياف الدينية والسياسية في سوريا، ولا أستبعد أن ينتقم بعضهم من بعض فيما بعد بشار.. فها هو النظام الآن ينتقم من الثوار بطريقة فجة، وينكل بالشعب أشد التنكيل والعذاب، بعد أن تأكد له أنه لا مفر من خروجه حياً أو ميتاً، فانفصال الجيش الحر عن جيشه النظامي على ما فيه من خطورة لعدم وجود مظلة توحد تلك الفصائل المنشقة، والخوف أن تعم الفوضى المناطق السورية، ولكنها بالتأكيد تدق المسمار الأول في نعش بشار، الذي اتضح له نفاق إيران التي كانت بكل غبائها تراهن عليه، وتدليس نصر الله، وانحسار المد الروسي الذي يعي المرحلة المقبلة ويدرس مخاطر الاستمرار في دعم النظام، حتى إسرائيل تلوح بضرب الأسد لتستفيد من الكعكة المقبلة، فلم يبقَ إلا بشار وبعض الفلول المخذولة بإذن الله في مواجهة شعبه والأحرار، والحرب ستطول ولهذا فإن الشعب السوري بحاجة إلى فرض مناطق آمنة من قِبل الأممالمتحدة وعزلها عن المناطق الملتهبة لتصل فرق الإغاثة إليهم في حماية وأمان لتقديم الغذاء والدواء، ولينصر الله من ينصره.