عوض علي الوهابي قبل أكثر من عام أصدر ولي الأمر – وفقه الله – أمره الملكي بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد ترتبط به في مهامها ومسؤولياتها كأحد القرارات الحاسمة والمهمة التي كان المواطن البسيط أكثر بشراً وفرحاً بها وتطلعاً إلى نتائجها على أرض واقع يومي بات المشهد فيه مخيفاً من الشعور بحالة من الفساد بوجوهه المتعددة وأصنافه المالي والإداري والمهني في أروقة بعض جهات الدولة ومؤسساتها مما وصل بهذا المواطن البسيط إلى حالة من السأم واليأس والبؤس من الفساد الذي تأبط به البعض من المسؤولين الذين ولوا على مصالح الناس وشؤونهم وكلفوا برعاية حق كل مواطن ومقيم دون استثناء وذلك من خلال مسؤولياتهم وعبر جهات اختصاصاتهم وعلى الرغم من كونهم في الأصل من أبناء هذا الوطن المبارك، ونفترض فيهم النزاهة والإخلاص لوطنهم ولمواطنيهم وأن يكونوا أهلا لما اؤتمنوا عليه أمام الله عز وجل ثم لما كُلفوا به من قبل ولي الأمر الذي يؤكد دائما على رعاية مصالح الناس والتيسير عليهم . ولكن المؤسف أن المصالح الخاصة للبعض، قد طغت على حساب المصالح العامة للناس والوطن ككل، وأنهم لم يكونوا كما هو المؤمل بهم ولا المأمول منهم، فبعض مشروعات التنمية في محيط قطاعهم وجهة اختصاصهم متعثرة بإهمال صريح منهم إن لم يكن تواطؤاً، وكأنّ المال العام بأيديهم غنيمة لهم، والمواطن الذي ينشد احتياجاته وحقوقه بين أروقة مكاتبهم هو كمن يتسول حاجته عندهم فلهم أن يعطوه ولهم أن يمنعوه وفق أهوائهم وحسب أعراف الوساطة وإحداثيات تقاطع خطوط المصالح ودوائر المحسوبية . وليس للمستفيد المضطر من وسيلة غير مبررة للتعامل مع فسادهم هذا إلا بفساد مثله إما برشوة ونحوها فاستفحل الداء وازدادت وطأته، وأصبح متسارعاً في الاتساع في اتجاهين أحدهما مع محور الزمن والآخر مع محور المكان فامتدت رقعته وتغلغل عمقه وازداد أمده .فكان هذا الأمر الملكي الكريم إيذاناً بولادة هذه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ودلالة على حرص ومتابعة من ولي الأمر حفظه الله وإدراكاً منه بأهمية ملاحقة هذا الداء الخطير وأنه قد حان الوقت لاجتثاثه بمن يمثلونه في بعض قطاعات الدولة وأجهزتها المختلفة بكافة صوره وألوانه. وندرك جميعاً أن مرحلة التأسيس والنمو لهذه الهيئة قد أخذت جهداً كبيراً واستغرقت وقتاً ليس بالقصير من رئيسها وجميع المعنيين بها، فلا نستطيع حتى الآن أن نحكم على نجاح عمل الهيئة من خلال هذه المرحلة التأسيسية ولكن تظل آمالنا وتطلعاتنا كبيرة في مشرطها الماهر القادر على استئصال الفساد وملاحقته في مواجهة صعبة هي أشبه ما يكون بالمعركة الشرسة فالفساد حالة مستترة في معظمها ودهاليزه ملتوية ومظلمة والكشف عنه يحتاج لفحص متقن ودقيق. وإننا وإن كنا لا نقر بأن الفساد في بعض مؤسسات الدولة هو الحالة السائدة على حساب النزاهة والأمانة فهذا غير صحيح لأن الفساد الإداري والعملي عموما يُعد اسثناءً ولا يمثل الغالبية، ولكن نتائجه السلبية تؤثر ويعم بلاؤها. في المقابل تكون الأيدي شريفة والعقول المبدعة والضمائر المخلصة من قبل مسؤولين كثر من الأوفياء لوطنهم والملتزمين بمسؤولياتهم وهم الذين وقفوا ضد الفساد فكانوا نقيضاً له ولمن يمثلونه. إن نجاح هيئة مكافحة الفساد في مهمتها الرئيسة وهي الحد من الفساد والعمل على انحساره قدر الإمكان هو أمر مفصلي ومفترق طرق في غاية الأهمية فإما أن تتغلب الهيئة على الفساد ومن يمثلونه وهذا هو المأمول والهدف الذي نتمنى جميعا تحقيقه، ولكن إن وهنت الأدوات وغابت المنهجية الدقيقة في عمل الهيئة ومهامها فإن الفساد سيحقق الغلبة ويزداد مده وتناميه على حساب النزاهة والأمانة والمسؤولية. وهذا جانب يجب على رئيس هيئة مكافحة الفساد ومنسوبيها التنبه إليه جيداً.كما أن النجاح الذي ننشده لهذه الهيئة للقضاء على الفساد يحتم علينا كمواطنين أن نتعاون معها وأن نكون لها أعضاء ومشاركين، فمهما كانت أدواتها وعدد موظفيها فلن تستطيع أن تحيط بالفساد من كل زواياه وأبعاده ولذا كان من أوجب الواجبات علينا التعاون والتواصل معها وقد بادرت الهيئة مشكورة بإعلان قنوات متعددة للتواصل معها من قبل كل مواطن وهذه باكورة رؤية صحيحة ومنهجية سليمة وفي المقابل على الهيئة الأخذ بمرئيات المواطنين والتفاعل مع بلاغاتهم بالشكل الفوري لأن أي تجاهل من قبلها تجاه تعاون المواطن، سيكون المستفيد الأكبر هو الفساد بأطرافه وأطيافه.ولايمكن لأي مسؤول مهما بلغت حدود مسؤوليته أن يرى أنه فوق مستوى النقد أو أنه منزه من التقصير فهذا غير صحيح وغير مقبول فالمقياس هو العطاء والفيصل هو خدمة الوطن والإخلاص له .وكم نتذكر بفخر واعتزاز أولئك الرجال المخلصين الأفذاذ الذين عملوا في مواقع المسؤولية فوضعوا كل طاقاتهم وكرسوا كل جهودهم لخدمة هذا الوطن ورعاية مصالح الناس بنزاهة وعدالة دون تفرقة أو محسوبية أو تحيز لمصالح خاصة . وكم يتمنى كل واحد منا أن ينال شرف الانضمام لهذا السجل المشرف العظيم لخدمة دينه ووطنه وأمته !