لماذا يتجهّم بعضنا في وجوه الآخرين؟ وإذا حدث أن ابتسموا، فإنّها ابتسامة أشدّ صفرةً من بقرة قوم موسى – عليه السلام – ، التي ذبحوها وما كادوا يفعلون. ينسون كذلك كل ما سبق وردّدوه من هدي المصطفى – عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم-، الذي يوجّه باعتبار النساء (شقائق) للرجال، غير أنّ القلوب المريضة لهذا البعض تتسلّطُ عليهم وتنحرفُ بهم إلى احتقارهنّ وإهانتهنّ (وضربهنّ) والاستيلاء على حقوقهنّ (والتضييق) عليهنّ، وحيثما ذهبْنَ أو وُجِدْنَ تركّزتْ عليهنّ نظرات الريبة والاستنكار والظنّ السيئ واحتمال الفساد… وفي أنموذج (المطلّقات) في مجتمعنا دليلٌ ناصعٌ على الحالة المرضيّة والأزمة التي يعيشها جزء من هذا المجتمع، وكل ذلك يتمّ وفقاً لأمورٍ ما أنزل الله بها من سلطان عندما يلصقونها بجدار الدين الذي لا يقبلها، لأنّه يرفضُ ما يخرج به عن اتّساعه وبساطته ووضوحه ومرونته واستيعابه لكل ما هو في صالح المجموع أو الجماعة. ترى لماذا يهتمون بالظاهر وينسون الباطن، يعتقدون بالقشور ويهملون اللّب، حيث يغدو الدين مجرد كلمات لا تتجاوز اللسان وزينة للمنابر لا أكثر! فهل نحنُ فعلاً نؤْمنُ بالله وباليوم الآخر؟ أم أننا مثل أولئك (الأعراب) الذين أسلموا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، والذين جاء ذكرهم في الآية الرابعة عشرة من سورة الحجرات. لا يكفي أن يكون الله على ألسنتنا نلهجُ بذكره كلاماً، فلنسكنْه قلوبنا أولاً، لأنه جل وعلا ضوؤها الطّارد لعتمتها القاسية وهو الذي يحوّلُ صحراءها إلى جنّة وارفة الظلال. ما قيمة الأذكار إن لم تُقِمْ في القلب، تحميه من جمر الظنون الخبيثة؟ ما جدوى وضوئنا خمس مراتٍ في اليوم، ما أهمية ركوعنا وسجودنا وقيامنا وتهجدّنا إن لم يفعل القلب ذلك أولاً فيتوضأ ويركع ويسجد ويقوم ويتهجد، وعندما تمنحنا قلوبنا صفاءً يقربنا من إدراك فعليّ لحقيقة أن الدين هو المعاملة كما يقول الأثر النبوي، عبر (ممارسةٍ) توافقُ الهوّية المعلنة قبلاً، بحيث يستحيلُ (الفعلُ) هوّية تعلن عن نفسها في هدوء جميل يسير مع الفطرة ويبتعد عن الافتعال أو الصراخ. ما أحوجنا، إذن، إلى أن نغسل قلوبنا في أنهار المحبة الكريمة والتسامح وحسن الظن والصدق في التعامل بالحرص على المواجهة والمكاشفة لجلاء مشكلاتنا وإفراغ النفوس مما نعبئه فيها ونراكمه من (أحقاد) وضغائن طمستا نور الحب وألقتا بحياة البشر في جحيم مستعر! إن (الإسلام) لم يكن في يوم من الأيام شكلاً، أي مجرد أداءٍ لفروض وواجبات حسّية وذكر وتسبيح وإعفاء لحى وتقصير ثياب فقط، بل هو جوهر في الأصل ويمثّل في جوهره (معنى) عميقاً شكّل (المبنى)، أي إنه (داخلٌ) يتحكم في (الخارج) وينظم إيقاعه، وإذا (صفا) الداخل يصفو الخارج بكل تأكيد، والعكس ليس صحيحاً في كل الأحوال.