كشف وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى في افتتاح ملتقى «القضايا الأسرية في المحاكم الشرعية.. رؤية مستقبلية» عن مجموعة من المشروعات الواعدة التي من شأنها حل المشكلات الأسرية، ولعل أبرز هذه المشروعات هو مشروع «صندوق النفقة» الذي سيقوم بصرف النفقة للمحكوم لها، ويقوم بمتابعة المحكوم عليه، بحيث يكون الصندوق خصماً لمن يتأخر بالنفقة. هذا رأي رشيد وحل مبتكر لأزمة تعيشها شريحة كبيرة من النساء. فبعض الرجال يترك أسرته دون أن يقدم لهم حقهم الواجب في ماله. وبعضهم يتصور أنه في حال الطلاق ينتهي كل شيء فلا تجب عليه نفقة لطليقته وأولاده. وبعضهم يعرف كل هذا جيداً لكنه لا يرغب في الإنفاق، أو يميل للمماطلة وتضييع الحقوق الواجبة عليه. فكرة صندوق النفقة التي نتمنى أن تطبق، ستحل هذه المشكلة بحيث لا تصبح المرأة وأطفالها عالة على أهل المرأة، كما أنها ستوفر على المرأة الحرج الذي قد تشعر به هي وأهلها، وهي تلاحق الزوج المراوغ المتهرب من واجباته. كما أن الصندوق كما هو متصور بناء على تصريحات معالي الوزير سيقوم فوراً بتولي أمر النفقة على تلك الزوجة وأطفالها، وهذا معناه تقصير مدة بقائها بلا معيل، بحيث ينفق عليها الصندوق بمجرد نجاح قضيتها وصدور الحكم. ثم يتولى بعد ذلك ملاحقة الزوج واستخلاص ما أنفقه الصندوق منه والذي هو واجب عليه في البداية. هذا بالفعل حل مبتكر تشكر عليه وزارة العدل وهو يدل على عقول تعمل من أجل القضاء على معاناة نعرفها كلنا، ومن أجل رفع كفاءة النظام القضائي السعودي، ومن أجل أن تكون الوزارة مؤسسة تسعى لتكون فاعلة ومؤثرة في تحقيق العدل. فالمرأة السعودية حقيقة تعاني معاناة شديدة في مجتمعنا برغم أن الدين الإسلامي قد كفل لها حقوقها وحافظ عليها، إلا أن ذهنية الرجل عندنا تأبى إلا أن تمارس ظلم المرأة كلما سنحت الفرصة. سبب ذلك هو التكوين النفسي والتربية التي تجعل الرجل السعودي يستهين ويستقل قيمة المرأة. وبما أنه من الواجب على وزارة العدل تحديداً أن تصطف دائماً مع المظلوم حتى يأخذ حقه، فإن الواجب في حال المرأة السعودية تحديداً هو البحث والتنبيش عن الطرق المبتكرة لرفع الظلم عنها. عندما تأتي قضايا المرأة في نصوص كاتب يعيش في برج عاجي، قد تجده ينطلق للاحتجاج على حكم القرآن (للذكر مثل حظ الأنثيين) بينما المرأة لا تفكر بهذه الطريقة في الغالب وقد لا تخطر ببالها هذه المسألة أصلا. المرأة السعودية لا تريد نصيباً مثل نصيب الرجل فهي امرأة مؤمنة مسلمة للنص الشرعي. وإنما تريد أن يصلها نصيبها الذي كتبه الله لها. لأن الواقع أنه في حالات لا تحصى عندنا لا تنال المرأة هذا النصيب الشرعي. ويحدث كثيرا جدا أن يستولي الأخ الأكبر الذكر على ميراث أبيه ولا يصل أخواته من نصيبهن من الميراث سوى القليل القليل. ومع ذلك، تسكت المرأة عن المطالبة بحقها، ولا يذهب للمحكمة من نساء بلدنا إلا نسبة قليلة ممن اضطررن اضطرارا لذلك. وأسباب ذلك كثيرة جدا، منها الخوف من العقاب الجسدي، ومنها الخوف من العقاب الاجتماعي المتمثل في نظرة المجتمع للمرأة التي «تجرجر أخاها في المحاكم»، ومنها الحياء الذي جبلت عليه معظم نسائنا، حياء يحول دون المطالبة بالحق وضعف. ومنها العادات البالية غير المنطقية التي لا يدعمها دين ولا عقل فيما يتعلق بالتعامل مع المرأة بأساليب العنف والقسوة مما تؤصله التربية الخاطئة في الرجل والمرأة على حدٍ سواء، بحيث نرى كثيراً من الزوجات يقبلن بالعنف والظلم الواقع عليهن ويعتبرنه حقاً من حقوق الزوج عليهن لأنه هو الشخص الوحيد الذي يملك القدرة على التصرف في حياتهن. كل هذه مشكلات مطروحة بين يدي الإخوة في وزارة العدل لتبحث عن حلول مبتكرة كحل «صندوق النفقة» الرائع بحق، مما يكفل وصول حقوق المرأة إليها. ولا شك أن الإخوة الباحثين في الوزارة لديهم تصور أعمق وأوضح مما لدينا بحكم الرابطة التي تجمعهم بالمحاكم وما يدور فيها من قضايا ومعضلات. لذلك نشدّ على أيديهم وننتظر المزيد مما من شأنه تحقيق العدالة.