جسم الإنسان نظام معقد، تعمل بداخله مليارات الخلايا المتخصصة (حوالي 280 نوعاً من الخلايا التخصصية) لتحافظ على آليات عمل سليم ومتناسق. وداخل كل خلية آلاف المسارات الحيوية التي تنظم عمل الخلية بالتنسيق مع الخلايا الأخرى، وهي عملية أشبه بنظام الاتصالات. كل شيء منظم بدقة، وكل شيء يؤثر في كل شيء. وحينما يختل عمل ما، تحدث الأمراض. اليوم سنتحدث عن بعض من أغرب الأمراض التي تعرفها الإنسانية -وأغلبها أمراض نادرة الحدوث لحسن الحظ- وكان بودي لو كانت مساحة المقال تسمح بعرض الصور من أجل أن يتمكن القارئ من مشاهدة نتائج هذه الأمراض على الجسد البشري. أولى هذه الحالات وأغربها هو مرض «التفيل- مشتقة من اسم الحيوان المعروف الفيل». يتسبب هذا المرض النادر في تضخم اليدين، والساقين، والأثداء بحيث يصبح حجمها كبيراً جداً مقارنة بباقي الجسد، ومن ذلك جاءت التسمية. هذا المرض تسببه طفيليات تنقلها أنثى البعوض. ويقدر عدد المصابين به حول العالم بمائة وأربعين مليونا، من ضمنهم أربعون مليونا يعانون حقا بسبب المرض. الحالة الثانية هي مرض «البروجيريا». وهو المعروف بمرض الطفل ذي الثمانين عاماً. يتسبب عطب طفيف في الشفرة الوراثية لدى المصاب إلى نتائج مدمرة على الحياة. يعيش الأطفال المصابون بهذا المرض في المعدل ثلاثة عشر عاما فقط. لكن هذا المرض يجعل الطفل المصاب يصاب بأعراض الشيخوخة، مثل الصلع، ترقق العظام، أمراض القلب وغيرها من أعراض الشيخوخة. ويبدو الطفل المصاب بهذا المرض حين يكون في العاشرة من عمره مثلا، وكأنه يبلغ من العمر ثمانين عاماً. ولحسن الحظ فإن هذا المرض نادر جدا، إذ يقدر عدد المصابين به حول العالم حوالي خمسين شخصاً. ومن المفارقات أنه تم تسجيل حالة عائلة واحدة، أصيب خمسة من أبنائها بالمرض. الحالة الثالثة، هي مرض المذؤوب. حيث يبدو الشخص المصاب (وهو مرض يصيب الدم) كأنه ذئب ويغطي الشعر جسده ووجهه، ويبدو شكل وجهه أقرب للذئب. والواقع أنه حين لم يكن العلم توصل إلى معرفة أسباب هذا المرض، أي في القرون الوسطى، كانت الأساطير تنسج حول الأشخاص المصابين بهذا المرض، وبأنهم يتحولون إلى ذئاب حين يكتمل القمر بدرا ويتصيدون ضحاياهم لامتصاص دمائهم. الحالة الرابعة، هي اختلال اللون الأزرق، أو ما عرف بالناس الزرق. عاشت عائلة كاملة في «تربلسم كريك» في ولاية «كنتاكي» حتى نهاية الستينات وكل أفرادها لونهم أزرق أو أرجواني. وانتقلت الصفة من جيل إلى آخر. وبخلاف اللون الأزرق لبشرتهم، فأن أغلب أفراد العائلة عاشوا حتى عمر الثمانين، ولم يكن أي منهم يعاني من أية اختلالات، أو أمراض، كل ما هنالك أن لون البشرة كان أزرق أو أرجوانيا. الحالة الخامسة، هي مرض «بيكا». والمصابون بهذا المرض لديهم ميل لأكل مواد غير غذائية مثل الطين والشمع والأوراق. والواقع أنه وفي حين يعتقد بأن خللا في تمثيل المعادن لدى المصابين هو ما يسبب هذا المرض، إلا أن العلماء لم يتمكنوا من تحديد السبب الحقيقي بعد. الحالة السادسة هي مرض «مايكروبشيا». وهي حالة تعرف بمتلازمة «أليس في بلاد العجائب». وهذا مرض يصيب الجهاز العصبي ويجعل المتأثرين به يرون الأشياء أصغر بكثير من حجمها الحقيقي. فمثلا، حين ينظر الشخص إلى سيارة فإنه يراها بحجم صندوق مثلاً. والواقع أن الذين قرأوا كتاب «جوناثان سويفت» «رحلات جوليفر» يمكنهم تصور ذلك. لذلك ثمة تسمية أخرى للحالة أخذت من كتاب «سويفت» المذكور هي: «رؤية لوليبت». والواقع أن وظائف العين في هذا المرض لا تتأثر ولكن ترجمة المخ للصورة هي ما تعاني خللا. ثمة أمراض أخرى غريبة ونادرة وقد يكون أكثرنا لم يسمع بها، لكننا نكتفي بهذه الأمثلة في هذا المقال لايضاح الحقيقة التالية. في حالات غياب المعرفة العلمية التي تقود إلى بناء الأسباب الحقيقية والملموسة لما يصيب جسد الإنسان، فإن التفسيرات الخرافية والأسطورية هي ما يسود. ومن ذلك ما ذكرناه عن «أسطورة الرجل الذئب». والواقع أنه في المجتمعات التي تعاني نقصا في التعليم، ونسب أمية مرتفعة، وفي غياب التوعية الاجتماعية، والتثقيف الإعلامي، يلجأ الناس إلى معارفهم البدائية لتفسير الأمور المعقدة بطريقة أسطورية، ترعبهم بدلا من أن تساعدهم في فهم الوقائع.