يعتز الشماليون بالقهوة العربية ذات النكهة المميزة، وتُعدّ أول واجبات الضيافة التقليدية لديهم، فيستقبلون الضيف بصب فناجين القهوة المملوءة بالهيل، في دلالة واضحة على الترحيب بالضيف. وكان الناس قديماً يتسامرون معاً، ليحتسوا مشروب الضيافة الأول، ويعتبرون القهوة في حد ذاتها سبباً لاجتماعهم. وشرح محمد ظاهر الحجري طريقة إعداد القهوة الشمالية القديمة، وقال: «كان إعداد القهوة من أبرز المهام التي يتولاها الرجل أمام ضيوفه، إذ يستمتع بها على الرغم من محدودية الأدوات المستخدمة لتحضيرها، مثل المحماس والمبرادة والنجر والمنفاخ، وكذلك الاستعانة بالليف أو سعف النخل بديلاً عن المنخل، حتى يمنع نزول الهيل من الدلة عند صبها في الفنجان»، موضحا أن القهوة كانت تسمى قديماً «قهوة الجائع»، وبيَّن الحجري أن عدد فناجين القهوة المتعارف عليها بين القبائل البدوية ثلاثة فناجين لها دلائل، فالأول فنجان للرأس، والثاني للعماس، أما الثالث للبطن، وكذلك يتطلب صب القهوة مراعاة وزن خاص عند سكبها في الفناجين، وكان ملء الفنجان يعتبر»عيباً»، ويكتفي بملء ربع الفنجان، وكانت القهوة العربية تحمس حمساً خفيفاً، بحيث يبقى لونها قريباً من الاصفرار، أو عند الحمس المتوسط يتحول اللون من الأخضر، إلى البني الفاتح. وأوضح الحجري رمزية القهوة عند العرب، فإذا كان لهم طلب عند شخص يستضيفهم، يرفضون احتساء فنجان قهوته، إلا عند تنفيذ طلبه، وبعد أن يعد بتنفيذ طلبهم يشربونها، مستطرداً أن الضيف إذا انتهى من تناول القهوة كان يهز الفنجان، وإلا فإن المعنى أن الضيف يريد مزيدا من القهوة، ويستمر»المعزب» أي صاحب المجلس في تقديم القهوة، حتى يهز الضيف الفنجان هزة خفيفة، فيعرف منها أن الضيف اكتفى، مؤكداً أن الضيف عند البدو لا يشرب القهوة المعدة من الطفل أو المرأة، وإنما تجري العادة أن يصنعها صاحب البيت بنفسه أمام ضيفه، وإذا زار ضيف صاحب المجلس، وكان الرجل خارجه ،تقوم المرأة بإعداد أدوات القهوة، ثم تقول: «اعمل قهوتك يا ضيف». وذكر الحجري حادثة وقعت قديماً، عندما جاء بعض الضيوف إلى رجل بدوي، وعندما هم بصب القهوة فوجئ برجل يخرج الدخان من جيبه، فاعتذر صاحب المجلس عن صب القهوة، قائلاً: «دلالي لا يشرب عليها دخان، وأنتم لم تكرموا مجلسي»، مبيناً أن هذه العادة موجودة عند بعض القبائل، مختتماً حديثه ببيت شعر كان يردد كثيراً عند البدو عن القهوة قديماً: إلى سمع دنت النجر ولاجا لا تقعده للكيف خله ينامي.