وعلى أهميتها في حياة البشر اليومية، وفي التاريخ لم تَنَلْ حتى الآن، من الجهد العلمي ما يَرْفَع كثيراً منسوب العِلْم في مفهومها وتعريفها؛ لأن كثيراً من الناس ما زالوا يميلون إلى ما يجافي العِلْم، والمنطق العلمي، في فهمها وتفسيرها. هناك، وعلى وجه العموم، مَنْ يُفْرِط، ومَنْ يُفرِّط، في تقديره أهمية ووزن الإرادة في التغيير؛ فإما أن تكون كلُّ شيء، أو هي لا شيء؛ هي ما يجعل المستحيل ممكناً وحقيقةً واقعةَ، أو هي الوهم الخالص؛ لأنَّ الإنسان مُسيَّرٌ لا يأتي إلَّا بما هو مكتوب ومُقرَّرٌ له أنْ يأتي به وكأنَّه نهرٌ لا يملك تغييراً لمجراه. وفي تجربة الإرادة، التي نخوضها، أفراداً وجماعات، نتعلَّم، وينبغي لنا أنْ نتعلَّم، إجابة، وكيفية إجابة، سؤالين عظيمَي الأهمية، هما: ماذا أريد (أو نريد)؟ وكيف أصِل (أو نَصِل) إلى هذا الذي أريد (أو نريد)؟ الإرادة تحتاج دائماً إلى التمرين والتدريب والتقوية والشَّحْذ؛ فالإرادة القوية، ومهما قَوِيَت، يمكن أنْ يعتريها الضَّعْف؛ والإرادة الضعيفة، ومهما ضَعُفَت يمكن أنْ تقوى وتصلب؛ فلا ننسى أنَّ الإرادة القوية تأتي من الإرادة الضعيفة، بالتمرين والتدريب والتقوية والشَّحْذ؛ فمنسوب القوَّة في إرادتكَ يعلو، ويهبط، بما يُوافِق درجة أهمية الأمر لكَ (الآن). أَمامكَ نهرٌ أردتَ عبوره، أو رغبتَ في عبوره؛ وأنتَ لا تجيد السباحة، ولا زورق لديكَ إذا فَهِمْتَ الحرِّيَّة، أيْ حرِّيَّة إرادتكَ، أو إذا فَهِمْتَ الإرادة، أيْ إرادتكَ الحُرَّة، على أنَّها أنْ تَفْعَل ما تريد، شاء من شاء، وأبى من أبى، فما عليكَ إلاَّ أنْ ترمي نفسك في النهر، وتُمارِس إرادتكَ الحُرَّة بمعناها هذا. إنَّكَ لن تنجح، لا بَلْ لن تفشل؛ لأنَّكَ ستموت غَرَقاً؛ فما عبور النهر بالتَّمنِّي! إنَّ الإنسان جُمْلَة من الحاجات التي ينبغي له تلبيتها وإشباعها؛ وجُمْلَة من المصالح التي ينبغي له الدفاع عنها. وثمَّة حاجات طبيعية لا يستطيع الإنسان أنْ يبقى على قيد الحياة إذا لم يُلبِّها ويشبعها؛ وهذه الحاجات ضئيلة العدد، عظيمة الشأن. ثمَّ تأتي المصالح؛ فأنتَ لكَ مصلحة في هذا، وليس لكَ مصلحة في ذاك؛ وما عليكَ إلا أن تفكر وتعمل وتتصرف بما يمليه عليك نزاع المصالح الذي لم تختره، ولم ترده، أمَّا الحقوق فلا أهمية لها إذا لم تكن عَوْناً لك في تلبية حاجاتك وحِفْظ وصَوْن مصالحك. وكما يشبه الجَمَلَ بيئته الصحراوية، في لونه وبنيته وتكوينه وخصائصه، ينبغي لدوافعك وحوافزك واهتماماتك وإرادتك وأهدافك وغاياتك أنْ تشبه حاجاتك ومصالحك؛ ففي حاجات ومصالح المرء والجماعة، وفي الأساسي والجوهري منها على وجه الخصوص، يكمن التفسير والتعليل للدوافع والحوافِز والاهتمامات والإرادة والأهداف والغايات . أنْ تريد، وأنْ تُصمِّم، وتعقد العزم، هو أمْرٌ كالتَّمنِّي، إنْ ظلَّ بلا سعيٍ وعملٍ إنَّما يُلْزِمكَ أنْ تعد العدَّة، وتُهيِّئ الأسباب، وتحشد القوى، لتبدأ ما تريد تحقيقه «فما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا».