ينتخب البرلمان اللبناني اليوم ميشال عون رئيساً للجمهورية، ما سينهي عامين ونصف العام من شغور في المنصب، انعكس شللاً في المؤسسات كافة، لكنه لن يكون كافياً لوضع حد للانقسام السياسي العميق بين الفرقاء على خلفية نزاع دام مستمراً في سوريا المجاورة. ويأتي الانتخاب في إطار تسوية سياسية بين أبرز زعماء الطوائف اللبنانية الذين يختلفون حول كل شيء تقريباً، لا سيما حول الموقف من الحرب السورية. وتشمل التسوية، حسبما أصبح واضحاً من التصريحات المعلنة، أن يكلف الرئيس سعد الحريري الذي تبنى ترشيح عون أخيراً بعد خلاف طويل، تشكيل حكومة جديدة. وفي بلد يقوم على التحاصص الطائفي في مقاعد البرلمان والحقائب الوزارية والمناصب العليا في الدولة وصولاً إلى الوظائف العادية، يتوقع أن تكون مهمة تشكيل الحكومة شاقة وطويلة. وانتهت ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في مايو 2014. ودعي مجلس النواب منذ أبريل 2014 إلى الانعقاد 45 مرة، دون أن ينجح في انتخاب رئيس. وقاطع عون (81 عاماً) مع نواب كتلته البرلمانية وكتلة حليفه حزب الله جلسات الانتخاب، مشترطين حصول توافق على الرئيس. وانعكس الشغور في منصب الرئاسة شللاً في المؤسسات الرسمية وتراجعاً في النمو الاقتصادي في بلد صغير ذي إمكانيات هشة ويرزح تحت وطأة وجود أكثر من مليون لاجئ سوري، ومن أزمات معيشية واجتماعية عديدة، على رأسها الفشل في التخلص من النفايات التي تملأ شوارع المدن والقرى. ويقدم عون نفسه منذ العام 1988، على أنه «الرئيس الأقوى»، مستنداً بذلك إلى قاعدته الشعبية المسيحية العريضة. وقبل الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام، ترأس سعد الحريري حكومة بين 2009 و2011 لم تنجح في إيجاد حلول لأزمات البلد العديدة، لا سيما بسبب الخلافات الحادة بين فريقي الحريري المُعادي للنظام السوري وحزب الله حليف النظام. ويستبعد أن يفوز عون من الدورة الأولى التي تفترض حصوله على أكثرية الثلثين. لكن سيتم التصويت مباشرة في دورة ثانية يكتفى فيها بأغلبية النصف زائد واحد، أي 65 صوتاً. وإلى جانب كتلته (20 نائباً)، يحظى عون بتأييد 28 نائباً على الأقل من كتلة تيار المستقبل بزعامة الحريري، وكتلة نواب حزب الله (13 نائباً)، وكتلة حزب القوات اللبنانية (ثمانية نواب)، بالإضافة إلى مستقلين. وأعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بعد لقائه عون مساء الجمعة أن «غالبية» أعضاء كتلته (11 نائباً) سينتخبون عون. وبدأ التيار الوطني الحر الذي يترأسه عون استعدادات لاحتفالات ستقام بعد الانتخاب. وأقدم ناشطون منه في عدد من المناطق على تعليق صور لعون مذيلة بتوقيع «الرئيس القوي». وبحسب الدستور اللبناني، يكلف الرئيس بعد انتخابه شخصية سنية يتوقع أن تكون الحريري، تشكيل حكومة، ويجري رئيس الحكومة المكلف مشاورات مع الكتل النيابية تمهيداً لاختيار وزرائه وتوزيع الحقائب. ويجمع المحللون على أن تشكيل الحكومة سيواجه عقبات كثيرة. واحتاج الحريري في العام 2009 بعد تكليفه من ميشال سليمان، خمسة أشهر لتشكيل حكومة وحدة وطنية. بينما أمضى رئيس الحكومة الحالي تمام سلام عشرة أشهر لتشكيل حكومة لم تنجز كثيراً منذ تأليفها في فبراير 2014. ولم يستبعد رئيس البرلمان نبيه بري الذي أعلن معارضته لوصول عون إلى الرئاسة أن يستغرق تشكيل الحكومة «على الأقل بين خمسة وستة أشهر»، ما سيتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.