طلب البيت الأبيض من وكالات الأمن القومي الأمريكية طرح خياراتٍ بشأن سوريا «بعضها جديد»، في حين وجَّه الكرملين انتقاداتٍ حادةٍ لواشنطن. وأفاد نائب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأن بلاده تعكف ب «نشاط شديد» على مراجعة خيارات وكالات الأمن القومي التي طلبها الرئيس باراك أوباما. وردَّ بلينكن على سؤالٍ من مشرِّعين في الكونجرس أمس بقوله «الرئيس طلب من جميع الوكالات طرح خياراتٍ بعضها مألوف وبعضها جديد، نعكف على مراجعتها بنشاط شديد» و«عندما يتسنى لنا بحثها في الأيام المقبلة ستتاح لنا الفرصة للعودة والحديث عنها بالتفصيل». وتطابَق ما أدلى به بلينكن مع إفادةٍ مسؤولين أمريكيين بأن إدارة أوباما بدأت بحث اتخاذ ردودٍ أقوى «بما في ذلك الردود العسكرية» إزاء هجوم نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران على مدينة حلب (شمال سوريا). وتتزامن المناقشات مع تهديد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بوقف المساعي الدبلوماسية مع روسيا فيما يتعلق بالأزمة. وهدد كيري أيضاً بتحميل موسكو المسؤولية عن إسقاط قنابل حارقة على مناطق سيطرة المعارضة في حلب. وكان هذا أشد تحذيرٍ من بلاده للروس منذ انهارت في ال 19 من سبتمبر هدنةٌ توسط فيها الجانبان. ولم تتضح الصورة بعد، مع ميلٍ إلى استبعاد نشر قوات أمريكية كبيرة. وقالت مصادر أمريكية مؤيدة لاتخاذ ردٍ أقوى من الحالي إن من غير الواضح ما سيتخذه أوباما إن كان سيتخذ خطواتٍ من الأساس. واعتبرت المصادر أن خيارات الرئيس «تبدأ من عند تشديد اللهجة». في الوقت نفسه؛ لاحظ مسؤول أمريكي أنه قبل إمكانية اتخاذ أي إجراء سيتعين على بلاده أولاً تنفيذ تهديد كيري بوقف المحادثات مع الروس. وفاقم استخدام القوة الجوية الروسية بكثافة في سوريا من عدم ثقة واشنطن في نوايا موسكو. ووفقاً لمسؤولين أمريكيين؛ فإن إخفاق المساعي الدبلوماسية في سوريا لم يدع أمام إدارة أوباما خياراً سوى البحث عن بدائل معظمها يتضمن استخدام القوة بشكلٍ أو بآخر، علماً أنه «جرى بحثها من قبل لكن تقرَّر تعليقها». ومن هذه البدائل تزويد المعارضة بأسلحة أكثر تطوراً، وهو أمر يعتبر أكثر ترجيحاً رغم معارضة الإدارة له حتى الآن. ونقلت «رويترز» عن مسؤولين اشترطوا عدم ذكر أسمائهم أن من البدائل الأخرى توجيه ضربة لإحدى قواعد الأسد الجوية، وهو ما يعتبر أقل ترجيحاً لما يمكن أن يُحدِثَه من خسائر بشرية بين الروس. وإجمالاً؛ وصف المسؤولون الخيارات الجاري بحثها ب «محدودة من حيث العدد» ولا تصل إلى حد التزامٍ واسع النطاق بالمشاركة بقوات أمريكية. ولطالما واجه خيار المشاركة بقوات رفضاً من أوباما الذي لم يتبق له في منصبه سوى 4 أشهر. ويقول منتقدو سياسته في سوريا إنه حدد هدفاً يتمثل في رحيل الأسد، لكنه لم يوفر الوسائل الكافية لتحقيق تلك الغاية، ومنها تسليح المعارضة في وقت أكثر تبكيراً وعلى نحو أكثر قوة أو السماح باستخدام القوة العسكرية لبلاده لإحداث تغييرٍ في مسار الصراع. وبالإضافة إلى هذا؛ يقول خبراء من داخل إدارة أوباما وخارجها إن الرئيس أخطأ حين تراجع عن توجيه ضربات جوية إلى نظام الأسد حينما تجاوز الأخير خطاً أمريكياً أحمر هو استخدام أسلحة كيمياوية. وكانت النتيجة، وفقاً لهؤلاء، إضعاف مصداقية واشنطن لدى موسكو ودمشق وغيرهما؛ لأنه بات هناك إدراك بأن أوباما لن يفي بكلمته ولن يُتبِع القول بالفعل. ويوم أمس الأول؛ اعتبر أوباما أن الوضع «يفطر القلب». وقال، في اجتماع عقده في قاعدة عسكرية في بلاده، إنه يعيد النظر في سياسته إزاء سوريا كل أسبوعٍ تقريباً. ونقلت عنه قناة «سي إن إن» قوله للمجتمعين «سنستعين بخبراء مستقلين.. سأستعين بمنتقدين لسياستي: حسناً.. أنتم لا ترون أن هذا هو الطريق الصحيح الذي ينبغي اتباعه.. قولوا لي ما ترون أنه سيتيح لنا منع الحرب الأهلية الدائرة». وتحدث أوباما، في الوقت نفسه، عن حاجته إلى الاستماع لأفكار بشأن إنهاء النزاع لا تتضمن اشتراك أعدادٍ ضخمةٍ من قوات بلاده. ورأى أن المهم «التعقل» في إرسال قوات نظراً «للتضحيات الهائلة» التي ينطوي عليها ذلك؛ وأيضا لأن جيش بلاده ما زال يؤدي مهاماً في أفغانستان والعراق. لكنه استدرك «في سوريا.. ما من سيناريو – دون نشر أعداد كبيرة من قواتنا – يمكننا فيه أن نوقف حرباً أهلية كل طرفٍ منغمس فيها بقوة». ووفقاً لمسؤولَين أمريكيَين تحدثا إلى «رويترز»؛ فإن ما جرى مؤخراً في حلب من هجومٍ عنيفٍ من جانب النظام – تبِعه انهيارٌ للمسار الدبلوماسي- أخذ مسؤولي الإدارة في واشنطن على حين غِرَّة. ونتيجةً لذلك انحسرت، كما يقول أحد المسؤولَين، قائمة الخيارات لتقتصر على دعم الهجمات المضادة التي تشنها المعارضة في مواقع أخرى بمزيدٍ من الأسلحة أو حتى الضربات الجوية «التي قد لا تغير مسار المعركة، لكنها ربما تدفع الروس للتوقف والتدبر». واستبعد مسؤولٌ ثانٍ اشتمال إمدادات الأسلحة على الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات؛ إذ تخشى الإدارة وقوع هذا النوع في أيدي مقاتلي «داعش» أو المسلحين المرتبطين ب «القاعدة». وتحدث مسؤولون آخرون عن خيارٍ أخطر وإن كان أقل ترجيحاً. ويتعلق الأمر بتوجيه ضربة جوية لقاعدة جوية سورية بمنأى عن القتال بين قوات الأسد وقوات المعارضة في الشمال. ومن الأفكار الأخرى الجاري بحثها إرسال مزيدٍ من قوات العمليات الأمريكية الخاصة لتدريب الجماعات الكردية وغيرها من فصائل المعارضة السورية. كما تُطرَح فكرة نشر قوة بحرية وجوية في شرق البحر المتوسط؛ حيث تتوجه بالفعل حاملة طائرات فرنسية. وأفاد مصدرٌ مطَّلع بأن مسؤولي البيت الأبيض بحثوا إرسال معونات إنسانية جواً لمناطق سيطرة المعارضة، وهو ما سيتطلب مرافقة من جانب طائرات حربية، لكنهم اعتبروا أن هذا الخيار ينطوي على مخاطر شديدة وأنزلوه إلى مرتبة متدنية في القائمة. وعلَّق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربي، الأربعاء بقوله إن المسؤولين المشاركين في عملية النقاش المتعلقة بالأمن القومي تناولوا خيارات أخرى تخص سوريا «لا تدور حول الدبلوماسية»، لكنه امتنع عن ذكر تفاصيل. في حين استبعدت مصادر إصدار قرارات وشيكة نظراً لسفر وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، واعتزام أوباما ومسؤولين كبار آخرين حضور جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس اليوم الجمعة. في المقابل؛ قال الكرملين إن القوات الجوية الروسية ستمضي قُدُماً في عملياتها في سوريا، ورفضَ بياناً أصدرته الولاياتالمتحدة عن الصراع هناك، واصفاً إياه ب «غير مفيد». وكان وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، دعا موسكو إلى وقف تحليق جميع طائراتها فوق مناطق الصراع في الأراضي السورية بما في ذلك حلب. لكن المتحدث باسم الكرملين (الرئاسة الروسية)، ديمتري بيسكوف، أبلغ صحفيين أمس بأن القوات الجوية لبلاده ستواصل دعم قوات نظام الأسد. ودعا بيسكوف واشنطن إلى «تنفيذ وعدها» بالتفرقة بين مقاتلي المعارضة المعتدلة و»الإرهابيين»، ووصف بياناً أمريكياً أخيراً ب «طائش وغير مفيد». وكان المتحدث يشير إلى بيانٍ أصدره المتحدث باسم الخارجية الأمريكية كيري الأربعاء، وقال فيه إن لموسكو مصلحة في وقف العنف في سوريا؛ لأن المتطرفين يمكن أن يستغلوا الفراغ هناك ويشنوا هجمات على «المصالح الروسية وربما أيضاً المدن الروسية». وعبَّر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، عن غضب بلاده من «لهجة التهديد» في البيان الأمريكي، واعتبره بمنزلة «دعم للإرهاب». ونقلت وكالات عن ريابكوف قوله «لا نستطيع تفسير ذلك سوى أنه في إطار دعم الإدارة الأمريكية الحالية للإرهاب». وقال «هذه الدعوات المبطنة لاستخدام الإرهاب كسلاح ضد روسيا تظهر الدرك السياسي الذي هبطت إليه الإدارة الأمريكية في نهجها تجاه الشرق الأوسط وخاصةً سوريا». وذكر المسؤول نفسه أن موسكو لا ترى بديلاً للخطة الأمريكية – الروسية الأصلية، ومفادها السعي إلى وقفٍ لإطلاق النار. ونُقِلَ عنه أن خطة وقف إطلاق النار لمدة 7 أيام التي طرحتها واشنطن غير مقبولة، وأن بلاده تقترح عوضاً عن ذلك «هدنة إنسانية» مدتها 48 ساعة في حلب. بدوره؛ هاجم وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرو، تواصُل القصف الجوي على حلب. وأبلغ صحفيين في لندن بقوله «كلما استمر القصف والمذبحة ضد السكان كلما زاد التطرف على الأرض». في غضون ذلك؛ شدد نائب المبعوث الأممي الخاص بسوريا، رمزي رمزي، على وجوب إجلاء مئات المصابين من القسم الشرقي لحلب المُحاصَر من جانب قوات الأسد. ونبَّه قائلاً «المستلزمات الطبية تنفد كما أن الطعام لا يكفي سوى ربع السكان». وفي تصريحاتٍ للصحفيين في جنيف بعد رئاسته الاجتماع الأسبوعي لمجموعة العمل الإنساني؛ دعا نائب المبعوث روسياوالولاياتالمتحدة إلى «إعادة إحياء» اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي أُبرِمَ في 19 سبتمبر و»تحويله إلى واقع مرة أخرى». وصرَّح «أعتقد أن هذه هي الطريقة المثلى للخروج من الوضع الإنساني والعسكري شديد الصعوبة الذي يجد السوريون أنفسهم فيه اليوم». وأبان نائب المبعوث أن «الوضع المأساوي في شرق حلب والقصف الجوي المكثف ألقيا بظلالهما على اجتماع مجموعة العمل الإنساني التي تربط بين القوى الكبرى والإقليمية. وذكر أن القسم الشرقي من المدينة، الذي حررته المعارضة ويسكنه نحو 276 ألف شخص، يوجد فيه 35 طبيباً فقط ومستلزمات طبية شحيحة. وأشار رمزي، في ذات السياق، إلى عدم إمكانية توفير العلاج الملائم لما يصل إلى 600 مصاب، مشدداً «إجلاء المئات لأسباب طبية له الأولوية القصوى في هذه المرحلة»، و»هناك نقص حاد في المياه والكهرباء فضلا عن استمرار إغلاق كثيرٍ من المخابز». ميدانياً؛ أفادت مصادر، بينها المرصد السوري لحقوق الإنسان، بتحقيق قوات المعارضة تقدماً لتسيطر على عددٍ من القرى الواقعة شمالي حماة أمس مواصِلةً حملةً مستمرةً منذ شهر في منطقةٍ ذات أهميةٍ استراتيجيةٍ للنظام. وأعلن المرصد وأحد المعارضين سيطرة المعارضة على قريتي خفسين وكراح في المحافظة، مع اقترابها من بلدة «طيبة الاسم» التي ستسمح السيطرة عليها بغلق طريقٍ مؤدٍ إلى مناطق خاضعة لسيطرة النظام. في حين ذكر مسؤول في المعارضة والمرصد أن قوات موالية للأسد سيطرت على معسكر حندرات شمالي حلب الخميس. وهذه هي المرة الثانية التي تسيطر فيها هذه القوات على المعسكر منذ بدأت عملية عسكرية في المحافظة الأسبوع الماضي. وأفاد زكريا ملاحفجي، من جماعة «فاستقم» المعارِضة، بوقوع المعسكر في يد النظام الذي كان سيطر عليه السبت الماضي قبل أن تنتزعه المعارَضة من جديد في هجوم مضاد في اليوم نفسه. وأورد المرصد أن جيش الأسد ومقاتلين موالين له سيطروا على المعسكر «لكن الاشتباكات مازالت مستمرة في محيطه».