من أخطر مظاهر اضطراب الهوية الذي قد يتعرض له الشباب وأشدها ضررًا السلوك الذي يعمد أصحابه إلى التدمير والإرهاب والقتل بالجملة إضافة إلى قتلهم أنفسهم من خلال عمليات التفجير التي يعدونها جهادًا!! ولا يشك أي متابع لسلوك داعش وطريقة ظهورها وما وصلت إليه أنها تتبع مخططا دوليا وقيادة استخباراتية عالمية ولن أتناول هنا هذه المنظمة إلا فيما يتعلق بسلوك شبابها المغرق في العدوانية إلى حدّ أن يغامر بقتل نفسه بحجة تنفيذ عملية استشهادية لقتل الناس في مساجدهم وهو ما لم يكن ليحدث لولا التدرج في توجيه السلوك العدواني لدى هؤلاء الشباب وتحويله إلى اعتقاد ديني لا يتحرج منه فاعله. ومن المؤكد أن ظهور سلوك عدائي مغرق في العدوانية إلى حدّ تكفير الآخرين والعمل على قتلهم بشكل جماعي من خلال تفجير أماكن تجمعاتهم ومساجدهم هي من الظواهر الجديدة على العالم الإسلامي وسأركز هنا على أبعاد هذه الظاهرة فيما يتعلق بالجانب النفسي منها، الذي يرتبط بمظهر العدوان الذي يتسم به هؤلاء الشباب المنتمون إلى ما يسمى بداعش. وسلوكهم المتمثل في هجماتهم الانتحارية التي يقوم أحدهم فيها بتفجير نفسه بأحزمة ناسفة في جماعات المصلين في المساجد بناءً على قناعتهم بكفر جميع المسلمين وردتهم عن الإسلام ووجوب قتالهم والإثخان في قتلهم حسبما غرسه قادتهم في أذهانهم حتى غدا بعضهم وكأنه جهاز روبوت يتم تحريكه عن بعد. وهذه الظاهرة السلوكية لها أبعاد كثيرة جدا لكن ما يتعلق ببحثنا هنا هو هذا السلوك العدائي الشديد تجاه مجتمعاتهم. ومثل هذا السلوك المضاد للمجتمع اضطراب للهوية تابع لاضطراب في الشخصية حيث يوجد في الدراسات النفسية تصنيف واضح لما يُعرف ب «الشخصية الحدّية». ويُعدّ اضطراب الشخصية الحدّية أحد أهم الاضطرابات النفسية التي يمر بها بعض الشباب في مرحلة المراهقة وأجد كمختص في علم النفس بحسب المعلومات المتناثرة التي يُقدمها الإعلام بعد حوادث التفجير التي يقوم بها أتباع داعش أن معظم شباب ما يُعرف بداعش يعانون من اضطراب الشخصية الحدّية كصفة واضحة ومشتركة فيما بينهم. ويُشكل السلوك المضاد للمجتمع (ملمحا واضحا ومهما في اضطراباتُ الشَّخصية -التي تعد حالاتٌ من اختلال الصحَّة النفسيَّة يمكن أن تسبِّبَ مجموعةً من الأعراض المزعجَة ومن أنماط السُّلوك الشاذَّة.. وتبدأ اضطراباتُ الشَّخصية بشكلٍ نَموذجي في مرحلة المراهقَة، وتستمرُّ حتَّى سنِّ الرشد. ويَكون السَّببُ مَزيجاً من أسبابٍ وراثيَّة وتجارِب مؤلمة في الطفولة. ويمكن أن تكونَ الحالةُ خفيفةً أو معتدلة أو شَديدة). وقد ذكرت بعض الدراسات الحديثة أن هذا النوع من الشخصيات تعاني من خلل في إفراز الهرمونات (مثل السيروتينين – الدوبامين – الأدرينالين) زيادة ونقصًا حيث تنقص هرمونات السعادة وتزيد هرمونات القلق والتوتر .. وفي دراسات المخ والدماغ -المعروفة بأبحاث نيوبرج- ورد أن التطرف الديني يؤدي إلى تلف كثير من الدوائر العصبية المخية.. وهذا النوع من الشخصيات يعدّ نموذجيا في نوعية الأتباع التي يحرص عليها قادة داعش؛ فهم يستقطبون اليائسين من الحياة والساخطين على أنفسهم وعلى كُلِّ ما حولهم لينفذوا مهمة قادتهم التدميرية لتنفيذ الحق الذي يرونه من وجهة نظرهم هم، ويريدون أن يجبروا عليه الآخرين. وبسبب ضعفهم العلمي والنفسي يسيطر عليهم قادتهم من خلال أساليب تأثير متعددة وهم يستغلون في ذلك حبّ الشاب لسرعة التغيير وحماسه للإصلاح وإعجابه بنفسه إلى حدّ الجموح وتسفيه الآخرين المخالفين لرأيه كما يظهر في صفات المصابين باضطراب الشخصية الحديث فيسقطون احترام الآباء والمعلمين.. ويقللون من هيبة العلماء.. وينسفون طاعة الحُكام وكل ما يمثل النظام.. ويغرسون مكان ذلك الولاء التام والانقياد الأعمى لقادتهم . ولطبيعة شخصياتهم التي تتسم بالعدوانية الشديدة والسلوك المضاد للمجتمع فإنهم يُشبعون ذلك لديهم بأنشطة عدائية على كل المستويات وبكل الطرق الممكنة لهم. وبقدر زيادة عدوانيتهم يكافئهم قادتهم. من كل ما سبق يمكن أن نكون فكرة حول سلوك هؤلاء التفجيريين والمنتمين للحركات المعادية للمجتمع أنه غالبًا ما تكون أسباب تشكيل سلوكهم العدواني هو نمط شخصياتهم المضطربة نتيجة لتداخل عوامل كثيرة مما جعلهم يُشكلون أفضل مصدر للحركات الخارجة على المجتمع وفي ظني أنهم لو لم تكن داعش موجودة لتبنيهم واستغلالهم لكانوا سلكوا سبيلاً عدوانيًا بشكل أو بآخر. لهذا فكل محاولة للحدّ من تفشي هذه الظاهرة لا تعتني بالجانب النفسي إضافة إلى الجوانب الأخرى فإنها لن تصل إلى حلّ جذري للمشكلة.