ظواهر جديدة بدأت تدخل مجتمعنا، لعل من أسبابها فتور العلاقة بين المنشأة التعليمية والطلاب، بعضهم يطلق عليها «فجوة» وآخرون يرون أن من أسباب تلك الظواهر، انشغال الأب عن أبنائه والركض وراء تحقيق الدخل المادي المناسب، بما يشغل معه كل وقته حتى وقت الابن أو انشغال الإدارة المدرسية عن الطالب في مرحلة مهمة من حياته، دون الالتفات لمشكلاته وأفكاره، التي قد تورث هذه الفجوة أفكارا ضالة، أنشأت جيلاً متخبطاً يحاول إيجاد هوية مستقلة عن طريق التقليد والمحاكاة لنماذج غريبة عن قيمه، والقيام بسلوكيات منحرفة الأداء والفكر، أو يتخذ بعضهم منحى آخر خطيرا بتبنيهم أفكاراً ضالة، ينفصلون بها عن مجتمعهم بما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من سموم يدسونها في العسل، وأخرى ظاهرة العيان. ولإحداث تقارب بيننا وبين هذه الأجيال المقبلة، لابد من تكاتف كل من الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام المحلي بجهود كبيرة وهائلة، توازي ذلك الخطر الكبير لمواجهة الفكر المنحرف والتصدي له، وإحاطة أبنائنا بسياج منيع من التحصين، وأخص بالذكر في مقالي هذا دور الإعلام المحلي. فالإعلام شريان الأمة وقلبها النابض، تصح بصحته، وتسقم بسقمه، وقد تبوأت وسائل الإعلام لدينا مكانة كبيرة لما لها من تأثير في المجتمع الإنساني، فهي من خلال الكلمة المسموعة أو الصورة المرئية أو الاثنين معاً، أو الوسائل المكتوبة عموماً لها تأثيرها الفعال في كل بيت، فهي بالعقل الواعي وغير الواعي تسهم في تشكيل الإنسان أياً كان موقعه وأياً كانت درجة مستواه التعليمي. إننا نعيش في هذه الآونة عصرا صار الإعلام فيه ضرورة من ضرورات الحياة، نتيجة الثورة الإعلامية الكبيرة التي أثرت على المجتمع بشكل كبير، وفرضت أنماطاً جديدة من السلوكيات على الأفراد لم تكن معهودة من قبل، الأمر الذي زاد من تعقد الحياة وتنوع العلاقات بين الأفراد والمؤسسات الاجتماعية، الذي يستدعي إعلاماً أمنياً يواكب تطورات العصر ومستجداته، وحتى تساهم وسائل الإعلام بصفة عامة والإعلام الأمني بصفة خاصة، في العمل على الحد من الجريمة والوقاية منها، عليها أن تقوم بواجباتها في التنشئة الاجتماعية السوية الهادفة لأفراد المجتمع، ونشر الوعي الأمني بين الجماهير والعمل على التصدي لثقافة الجريمة في المجتمع. والحال ليس بغريب عن الصحافة، التي تنشر قصصا وروايات عن بعض الجرائم في الجرائد والمجلات، وظروف حدوثها وتنشرها في قالب درامي مشوق ليزداد قارئوها، وهذا من شأنه أن يزيد من انتشار الجرائم داخل المجتمع، باعتبارها شيئا مألوفاً يقرأون عنه في كل يوم. فوسائل الإعلام خاصة المرئية منها أصبحت تنتج الجريمة والعنف بمختلف أشكاله، لذلك أجري عدد هائل من الدراسات والبحوث لتقييم آثار البرامج التلفزيونية، وعُني أكثر هذه البحوث بآثار مشاهد التلفزيون على الأطفال، وانعكاسات ذلك على التنشئة الاجتماعية في المراحل الأولى من العمر، وتدور هذه الدراسات بصورة عامة على محورين أساسيين هما: آثار التلفاز على مستوى الجريمة والعنف، وطبيعة التغطية الإخبارية، ولا شك أن تواتر العنف في برامج التلفاز المنتجة في الغرب قد أصبح مدعاة للقلق في جميع الأوساط الاجتماعية. وما دفعني لكتابة هذا المقال، ليس لتلاسنٍ ما ولكنه تعليق قدير من الدكتور فهد الحارثي على مقالي (استشراء الانحراف الفكري ينتهي ب «فطن») مستطرداً بقوله: «إن المقال مؤثر وجميل، ولكن حملة (فطن) بمفردها لا تكفي بالابتعاد عن الضبابية والرمادية، فلابد من المساهمة الإعلامية وأيضاً بشكل «فطن». نعم لقد أصبح الإعلام اليوم يساهم مساهمة كبيرة في نشر الجرائم داخل المجتمع، خاصة في أوساط الأطفال والشباب، حيث يذهب عديد من الأفراد ضحية العنف والإجرام الذي يقدمه التلفزيون للمشاهد العزيز، في قالب دراماتيكي سينمائي يؤثر كثيرا في شخصية الفرد، ثم يعيد ذلك الشخص إنتاج ما تعلمه عن طريق التعلم والتقليد، فيتحول المشهد إلى مأساة حقيقية يدفع ثمنها الأفراد والأسر والمجتمع عموما. وقد ينتج الانحراف الفكري الذي يتعلم بالاتصال مع آخرين في عملية اتصال لغوي، توظف فيه وسائل إقناعية وطرق مضللة وأساليب خادعة، وله قنوات من التأثير في نشر هذا الفكر المنحرف من تلفاز وإذاعة وصحافة ومسرح. عليه فإن الإعلام تقع عليه مسؤولية أساسية وكبيرة، في إذكاء وتنمية الشعور لدى الأفراد بالانتماء إلى بلده ووطنه، وحب هذا الوطن والعمل على إعلاء شأنه بين الدول الأخرى، ويتأتى ذلك عن طريق بث البرامج والأفلام الوثائقية والمسلسلات، التي تبين تاريخ الوطن وما يضمه بين جنباته من معالم تاريخية ودينية، لأن تنمية حب الوطن وغرس القيم الوطنية في أفراد المجتمع يحد بشكل كبير من انتشار الجرائم، خاصة تلك الموجهة إلى الممتلكات العامة، وأيضا على الإعلام تكثيف البرامج التي تهدف إلى نبذ التطرف والفكر المنحرف وتوعية الشباب، بل المجتمع بأكمله من شرور هذه الظاهرة التي تطعن في الإسلام وتعبث في محكماته وثوابته، وعليه تصحيح المفاهيم الخاطئة وتوظيف التكنولوجيا وتحديد المصادر واستثمار التجارب وإنشاء إعلام فكري متخصص، حتى نتجنب الجنوح وعدم الانصياع للأفكار المنحرفة الضالة، خصوصا مع الإنترنت – الشبكة المعلوماتية – الذي يعد قناة رئيسة لنشر الانحراف الفكري والتطرف، خاصةً بعد انتشارها في المجتمعات العربية، فقد انتشرت انتشارا واسعا وأثرت تأثيرا بالغاً على جميع فئات المجتمع، خاصة فئة الشباب والمراهقين من الجنسين، بسبب سوء استخدامه والتوسع في قنوات التواصل الاجتماعي دون رقيب أو حسيب، مع قلة التوعية بمخاطر الاستخدام السيئ من كافة الجهات التي تعنى بتنشئة وتربية الأجيال، لذلك أصبح من الضروري تكثيف الوعي الأمني، حتى لا يتسلل الضلال من زاوية الإهمال.