قال لي الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعد ظهر أمس الجمعة, بأبوة بالغة الحنو: «أقلامكم أمانة في أعناقكم, لخدمة الدين, والوطن, والشعب, أنتم في الصحافة مؤتمنون, فالله, الله, في الأمانة». شكرت – طويل العمر – بامتنان بالغ الحب والاحترام, وقلت : إن «الشرق» تفخر بأنها أول صحيفة يومية تصدر في عهدكم الميمون, وأنها تعاهدكم على الوفاء والولاء والإخلاص للدين القويم, ولمقامكم الكريم, وللوطن العظيم. لم يكن الموقف يسمح بأكثر من ذلك إذ أنني تشرفت بالسلام عليه – حفظه الله – في نهاية لقائه بالمشاركين والمشاركات في ملتقى الحوار الوطني التاسع الذي عقد في حائل يومي الأربعاء والخميس الماضيين وكنت أحدهم, وكان الجميع على موعد للتشرف بلقاء – أبو متعب – بعد ظهر أمس. لقد استمعت مع الحضور إلى كلمة الملك الصادقة النابعة من عمق إخلاصه, إذ بدأها معتذراً أنه ليس خطيباً, وأنه يتمنى لو يطوف على جميع الحاضرين في أماكنهم ليصافحهم واحداً واحداً, مكرراً ومؤكداً «أنا بدون الشعب لا شيء» و «ليس لي هدف سوى خدمة ديني ووطني وشعبي». كان عبدالله بن عبدالعزيز يتحدث بعفويته وسليقته, وسجيته الأصيلة في الصدق, الصدق مع الله أولاً, ومع النفس, ومع الناس, كدأبه دائماً في كل كلام يقوله, وكل فعل يباشره, وكل إنجاز يحمد الله عليه, ويدعو كل من يستفيد منه إلى شكر الله أولاً. يصعب عليّ الآن أن أستعرض أو أعدد إنجازات عبدالله بن عبدالعزيز التي كان الحوار الوطني فاتحتها, وكانت ومازالت تنمية الإنسان والمكان لحمتها وسداها ومنهجها, وكان ومازال الصدق والإخلاص منطلقها وحليتها, وكان ومازال الحب النقي روحها وبهجة أنفاسها, وفوق كل ذلك يقول الملك الصادق المخلص بعفوية وعمق: «موقع وطنكم جيد, واقتصادنا جيد, وكل أمورنا جيدة, و مازلت أتمنى أكثر, فلست مقتنعاً بما تحقق, ومازال عندي الكثير, فساعدوني وساعدوا أنفسكم, لخدمة الدين والوطن, فقد أصبحتم ولله الحمد قدوة» عندما قال الملك – حفظه الله – : لست مقتنعاً بما تحقق, بأسلوبه وحركته العفويتين, وصدقه الذي يجلل كل حرف من كلماته, تمنيت في تلك اللحظة لو سمعها – كما سمعها الحضور – كل مواطن ومواطنة, وكل وزير, ومدير, ومسؤول وموظف, وموظفة, لتقع من أنفسهم وعقولهم مثلما – أعتقد- أنها وقعت في أنفس وعقول الحاضرين الذين يرون الملك أمامهم يتحدث بعفوية ومحبة وصدق, فما راءٍ – عبر الشاشة – أو قارئ – عبر الصحيفة- كمن رأى وسمع, وشعر أن عبدالله بن عبدالعزيز الذي فعل كل ما فعل حتى الآن, وأنجز كل ما أنجز مما سيخلده التاريخ بسببها, يعبر عن عدم قناعته بكل ذلك, والأهم أنه يقول ويعبر لا لكسب موقف سياسي, ولا لتكثير أو تكبير حشد جماهيري, وإنما كان أباً يتحدث إلى أبنائه وبناته ويخبرهم بما يدور في ذهنه وقلبه, دون تحضير, ودون افتعال لموقف, أو تنميق لكلام. ..أيها الملك الفارس النبيل أحببت الناس بعفوية وصدق, فأحبوك بالصدق نفسه, والعفوية ذاتها. وعندما أقول الناس, فلا أقصد شعبك فقط, ولا المنصف الموضوعي من العرب والمسلمين فحسب, وإنما كل من عرفك من العالم كله, وهم كثر جداً, وذاك ما جعلك عن جدارة تستحق لقب ملك الإنسانية. إنني أحسب و أعتقد أنك – يا أبا متعب – قد نظرت بعمق في تاريخ أبيك الموحد العظيم, وقرأت إنجازات إخوتك الملوك العظام, فوجدت إرثاً من البناء والإنجاز كبيراً وملفتاً وعظيماً, وتوقفت عند الوقفة التاريخية للمؤسس أما بيت الشعر القائل: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا فقال : بل, ونفعل «فوق» ما فعلوا, وقد فعل – طيب الله ثراه- وأنجز أعظم وحدة عرفها التاريخ الحديث, وقد اقتدى به بنوه الملوك واحداً بعد الآخر فبنوا وأضاف لاحقهم إلى السابق ما أبقى له بصمة لا تمحى, فلمّا آل الأمر إليك – يا رعاك الله – قررت أن تقتدي, ففعلت فوق ما فعلوا, نعم فعلت – قطعاً – فوق ما فعلوا, وشعبك يعيش فعلك, والناس شهود على إنجازك, والتاريخ سينصفك شاء من شاء وأبى من أبى, وسيضعك في موقع عالٍ جداً فوق هامته, في صدارة الخالدين المخلصين الصادقين. أحبك يا سيدي – ومعي الملايين- ولا نبتغي إلا أن يطيل الله عمرك ويحفظك ويحقق ما في ذهنك من طموح لأهلك ووطنك, وهو طموح يثقون أنه ينسجم مع آمالهم وتطلعاتهم في قائدهم ومليكهم الذي مد إلى قلوبهم جسور الحب, وأرسل إلى عقولهم رسل الصدق.