أحيت فعاليات «عيدنا كدا» في نسخته الثانية التي تشهدها مدينة جدة بالمنطقة التاريخية ألعابا شعبية قديمة مارسها الآباء والأجداد، واتخذت حيزاً مهماً في الجوانب الترفيهية خلال العيد وعلى الرغم اندثار كثير منها في عصر التكنولوجيا وهجرتها نحو ألعاب الفيديو والألعاب الرياضية، فإن هذه الألعاب التي تمتاز بإرثها التاريخي الضخم تعود إلى الواجهة مجدداً وتتسيد المشهد الترفيهي وخصوصاً لدى كبار السن الذين اعتادوا على مزاولتها في صباهم فيما تتجدد ذكرياتهم للعودة إليها مع أجواء العيد ولياليه المبهجة. وتشكل الألعاب الشعبية صوراً بانورامية تختزل عدداً من العادات والتقاليد المحلية في حقب زمنية مختلفة فهي تنقل عناصر التراث الشعبي من خلال الصور النمطية الثقافية والحضارية وتعكس الطبيعة والأجواء الاجتماعية التي أسهمت في انتقال العادات والتقاليد والمعارف بصورة طبيعية وتلقائية من جيل إلى آخر مكونة ثقافة شعبية غنية بالمعاني والعبر والمدلولات الإنسانية والاجتماعية، وتختلف الألعاب بدءاً بموقعها الجغرافي في حواري جدة التاريخية إلى الشكل والمضمون وطريقة الأداء. وتُعد «الطيري» و«الغميضة» و«السبع حجرات» و«البربر» و«اللّب» كلها ألعاب شعبية تراثية مارسها بعضنا في صغره في الأحياء المختلفة للحجاز فأنعشت طفولته وأمدت شيخوخته بذكريات جميلة لا تمحوها الأيام. ومن أبرز الألعاب المشهورة التي لاتزال تمارس من جانب الأهالي والزوار لعبة الكيرم والدومينو التي تسمى محلياً ب الضومنة، إضافة إلى لعبة الورق «البلوت» التي تمارس هي الأخرى بشكل بسيط بين كبار السن في عدد من أحياء جدة التاريخية التي بدأت بالاندثار. ومن الألعاب الشعبية التي اجتذبت الزوار لعبة المزمار وهي من أكثر الألعاب الشعبية التي يحتفي بها أهالي جدة في عيد فطرهم المبارك، والتي شهدت تفاعلاً كبيراً من الزوار وهو ما ظهر واضحاً من التجمهر العريض الذي شهدته هذه الرقصة الفلكورية، واللافت في رقصة المزمار التي أديت خلال الفعاليات هو إعجاب سائح أجنبي قادم من عاصمة مقاطعة كتالونيا الإسبانية برشلونة مرتديا اللبس الحجازي التقليدي وأدى الرقصة الشعبية الأولى في منطقة الحجاز وما هو جعله تحت دائرة فلاشات كاميرات هواتف الزوار النقالة الذين تفاعلوا معه وانعكس ذلك على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». من جانب آخر، أدى الأطفال وهم يرتدون ملابسهم التقليدية التي كانت سائدة في المنطقة بعض الفلكورات الشعبية التي كان الأهالي يستأنسون بها خلال العيد فعند مدخل مسار الفعاليات كان طابور طويل من الصغار على شكل قاطرة مرددين الأهزوجة العتيقة «توت توت أنا القطار السريع توت توت أمشي ولا أستريح». وامتلأت ساحة الألعاب الشعبية بالزوار الذين حضروا مع أطفالهم رغبة في تجربة الألعاب التي تعتمد في جلها على الحركة والانتقال بهم من مرحلة الحكاوي إلى النزول للميدان وممارستها كما كان السابقون يقضون جل أوقاتهم عليها. من جهتها، أكدت اللجنة التنفيذية لمهرجان جدة التاريخية أن النسخة الثانية من «عيدنا كدا2» ستشهد خارطة متنوعة من الألعاب ضمن الفعاليات ستسعد أهالي محافظة جدة والمصطافين القادمين لقضاء إجازة عيد الفطر المبارك فيها. وقال رئيس اللجنة التنفيذية عبدالله بن ضاوي، إنه من الصعوبة بمكان في وقتنا الحالي أن تحقق الألعاب الشعبية التي كانت تملأ حواري وأزقة أحياء جدة سابقا تفوقا واستقطابا لجيل الآيباد والأجهزة الإلكترونية، إذ استطاعت التقنيات الحديثة وبكل سهولة أن تمحو الترفيه الشعبي ببساطته وعفويته من ذاكرة الآباء قبل الأبناء. ولفت النظر إلى أن الألعاب الشعبية استطاعت استعادة هويتها وإرثها التاريخي داخل فعاليات «عيدنا كدا2»، مؤكداً حرص إدارة مهرجان جدة التاريخية على توفير أركان خصصت فقط لممارسة تلك الألعاب، كما أسهمت تلك الألعاب القديمة بشكل رئيس في تنشيط الفعاليات وجذب أعداد كبيرة من الزوار الذي حرصوا على إطلاع أبنائهم على ثقافة الماضي.