تشيرُ المعاييرُ الوطنيَّة لمراكز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة في المملكة بأنَّها تُعَدُّ حجرَ الأساس للرعاية الصحيَّة لمواطنيها، والخطَّ الأوَّلَ في إستراتيجيَّة الخدمات الصحيَّة الوقائيَّةِ والعلاجيَّةِ الأساسيَّةِ للمستفيدين من خدماتها؛ ولذلك وُضِعَتْ معاييرُ لتحسينِ أدائها فاعتمدها مجلسُ الخدمات الصحيَّة بعد مراجعتها موافقاً على تطبيقها مستهلَّ عام 1433ه، معاييرُ أكَّدتْ في فصل إدارة الجودة على وجوب أن يكونَ لدى المركز الصِّحيِّ قوى عاملة مؤهَّلة مدرَّبة بأعداد تضمن نهوضه بدوره، وأبرز أدوار مراكز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة المسندة إليها من وزارة الصحَّة، هو تقديمُ خدمات الأمومة والطفولة؛ حيثُ تعدُّ خدماتها انطلاقةً في مجال الطبِّ الوقائيِّ. وفي الأسبوعين الأخيرين من شهر شعبان كَلَّفَتْ كليَّةُ الطبِّ والعلوم الطبيَّة في محافظة عنيزة طلاَّبها وطالباتها ببرنامج تدريبيٍّ قصيرٍ في طبِّ الأسرة في مراكز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة في محافظة عنيزة، وهي كليَّة ناشئةٌ اتفقتْ جامعةُ القصيم مع جامعة رايت ستيت الأمريكيَّة على تطبيق منهج التعليم الطبيِّ في كلية طبِّ بون شوفت فيها وعلى الإشراف على اختباراتها، وعلى توجيه أساتذتها وتدريبهم بما يُحقِّق عمليَّة التوأمة بين الكُلِّيتين، وحيثُ كنتُ الناقلَ لابنتي طالبةِ الطبِّ للتَّدرُّب في مركز الرعاية الصحِّيَّة الأوليَّة في حيِّ الأشرفيَّة في محافظة عنيزة، فإنِّي إذْ أقدِّر لاختصاصيَّة طبِّ الأُسرة بالمركز دورَها التدريبيَّ، ولمدير المركز تفاعلَه مع تساؤلاتي وملحوظاتي على أداء مراكز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة في محافظة عنيزة، فإنِّي أطرح بعضها فيما يخصُّ خدمات الأمومة والطفولة باعتبارها الجزئيَّة التي لقيتْ فيها الطالباتُ معاناةً كشفتْ جوانبَ قصور كالآتي: * على الرغم من صدور توجيهٍ صريحٍ من وزارة الصحَّة لمراكز الرعاية الصِّحيَّة الأوليَّة لتقديم تطعيمات الأطفال كلَّ أيَّام الأسبوع، إلا أنَّها في محافظة عنيزة اقتصرتْ على ما بين 2 – 3 أيَّام في تحدٍّ صارخٍ للأنظمةِ الوزاريَّة بتعميمها الإلحاقي المحتِّم عليها تقديمها كلَّ أيَّام الأسبوع. * هذه المعاناة في تطعيمات الأطفال من حيث محدوديَّة أيَّامها تتفاقم بمشكلات أخرى تعاني منها مراكز الرعاية الصِّحيَّة الأوليَّة في محافظة عنيزة من عدم توفُّر المختصَّات بالتَّطعيمات أو بضعف قدراتهنَّ العمليَّة أو لتغيُّبهنَّ مجازاتٍ وغير مجازات، أو لعدم توفُّر بعض التَّطعيمات، أو لتعطُّل ثلاَّجات حفظها وعدم صيانتها أو دعمها بثلاَّجات احتياطيَّة. * امتدَّتْ معاناةُ تطعيمات الأطفال لتعاني منها طالباتُ الطبِّ المتدرِّبات في جزئيَّة تدريبيهنَّ هذه، إذْ لم يَتَسَنَّ لهنَّ خلال برنامج تدريبهنَّ في مركز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة في حي الأشرفيَّة في محافظة عنيزة التدريب عليها لإعفاء المختصَّة بها دون توفير البديلة، فحوِّلتْ المتدرِّبات لمركز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة في حيِّ القادسيَّة فلمركز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة في حيِّ السليمانيَّة فاعتذر كلٌّ منهما عن إمكانيَّة تدريبهنَّ لتعطُّل ثلاجة حفظ التَّطعيمات، وبتنسيق الطالبات مع مركز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة في غرب عنيزة وعند طلبهنَّ تحويلهنَّ إليه رأتْ المشرفة على تدريبهنَّ بمركز حي الأشرفيَّة صرفَ النظر عن ذلك وانتظار المختصَّة بالتَّطعيمات بالمركز لحضورها ظهراً والاكتفاء بتدريبٍ نظريٍّ منها فقط، ولعدم حضورها اضطرَّتْ تمرير ذلك بالتوقيع باكتمال برنامجهنَّ التدريبيِّ، وبحواراتي مع زملاء اكتشفت معاناتهم بشأن تطعيمات أطفالهم بمراكز أحيائهم أيضاً. * لم تُتَحْ للطالبات المتدرِّبات بحسب برنامجهنَّ التدريبي فرصةُ الاطِّلاع على ملفَّات الحوامل ومقابلتهنَّ، بل ولم يدخلن عيادة النساء والولادة لعدم وجود الاختصاصيَّة، علماً بأنَّ الحوامل يشتكين عدمَ توفُّر أجهزة الأشعَّة وقياس النبض والتخطيط وعدمَ إمكانيَّة مختبرات المراكز على إنجاز التحليلات الخاصَّة بالحمل فيحوَّلن لمستشفى الملك سعود لإنجاز ذلك كلِّه ومن ثمَّ العودة إلى المراكز، ولذلك مرَّرتْ المشرفةُ على تدريب طالبات الطبِّ ذلك بالتوقيع على اكتمال برنامجهنَّ التدريبيِّ المطلوب إعادته إلى كليَّتهنَّ. * تذكَّرتُ في إطار هذه المعاناة اتَّصالَ مركز الرعاية الصحيَّة الأوليَّة في حيِّ الأشرفيَّة قبل ربع قرن تقريباً بأسرتي طالباً إعادة تطعيم أطفالي دون سنِّ الدراسة عن شلل الأطفال والحصبة، وبمراجعتي للمركز لاستجلاء سبب إعادة تطعيمهم وقد استكملوه بحسب بطاقات تطعيماتهم وبعد إلحاحي ورفضي الاستجابة لطلب الإعادة ما لم أعرف السبب وإلاَّ بحثتُ عنه لدى جهات أعلى مسؤوليَّة؛ لضمان سلامة أطفالي بتكرار تطعيمهم، عندها كشف لي المسؤول بالمركز آنذاك بأنَّ ذلك يعود لظهور حالات شلل أطفال وحصبة بين مستكملي تطعيماتهم؛ لفساد أمصالها بسبب سوء حفظها وتخزينها. * هذه المعاناة لمتدرِّبات طالبات كليَّة الطبِّ ستنعكس سلباً على أدوارهنَّ مستقبلاً كطبيباتٍ بالرغم من أنَّهنَّ يتعلَّمن في كليَّة متميِّزةٍ بتوأمتها مع كليَّة طبٍّ أمريكيَّة، كنتُ أوصيتُ ابنتي قبل بدء برنامجها التدريبيِّ بالجدِّية وبالإخلاص وبالتعامل الإنسانيِّ والوطنيِّ مع المرضى باعتبارها تُدَرَّب باعتبارها طبيبة المستقبل، بل وألزمتها بما يشبه قسم الأطبَّاء، وحين حاورتني بمعاناتها خجلتُ من توجيهاتي ومن وطني بخدماته الصحيَّة، أملي أن تتنبَّه وزارة الصحَّة والقطاعُ الصحيُّ في محافظة عنيزة لواقع مراكزها للرعاية الصحيَّة الأوليَّة وأن ينهضَ المسؤولون فيهما بأدوارهم باستكمال تجهيزاتها الطبيَّة ومختبراتها وبالمتابعة فالتوجيه والمحاسبة.