تلاشت أحلام اهالي حائل بعد مضي بعد مضي خمس سنوات على انطلاقة المشروع الاقتصادي الكبير (مدينة حائل الإقتصادية )، فلا مدينة ظهرت على أرض تتجاوز مساحتها 156 مليون متر مربع في شمال المدينة، وكل ما بقي من مدينة خططت على الورق حفر وكشكات مهجورة بدأتها شركة ركيزة المطور السابق للمدينة، وظلت بقايا مخلفات حديد أثرا تدل على المطار الدولي المعلن عنه. حكاية المدينة بدأت في 13 يونيو 2006، عندما أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أثناء زيارته إلى حائل عن توجيهه بإنشاء مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية، والتي تحمل اسم أول حاكم سعودي لحائل، وكانت المدينة بحسب المخططات الأولية ستحتل المرتبة الثانية في قائمة أكبر المدن الاقتصادية الجديدة التي أعلن عنها في ذلك العام. تغيير واقع المشهد الاقتصادي ومع الإعلان عن مولد أول مدينة اقتصادية في الشمال، بدأت الأحلام تغزو عقول المواطنين وترسم تغيرا وتنمية تنقل مدينة حائل إلى قائمة المدن الجاذبة للاستثمار، وتغيير واقع المشهد الاقتصادي في المنطقة على مستويات عدة. ولم يكن التطلع لهذه المدينة حكرا على كبار المستثمرين ورجال الأعمال، إنما شمل ذلك فئات المواطنين جميعا سواء العاطلين الذين انتعشت آمالهم مع الإعلان عن ثلاثين ألف وظيفة مرتقبة، أو رجال الأعمال المحليين الذين وجدوا في المدينة فرصة لتنمية أعمالهم التجارية خلال أعمال الإنشاءات وبعدها.ولكن، وبعد مرور أكثر من 66 شهرا على هذا الإعلان، لا تزال المدينة الاقتصادية مجرد اسم، وليس لها من الواقع المادي إلا لوحات ولافتات وأسوار ومساكن عمال بلا عمال. 17 قطعة أرض في المدينة ويعزو عدد من الاقتصاديين سبب فشل قيام المدينة إلى صعوبات عدة منها تغيير المقاول الرئيس (شركة ركيزة القابضة) التي توقفت عن العمل بعد فترة قصيرة جدا، ودامت فترة التوقف لنحو عامين (2007 – 2009) قبل أن تُسند مهمة الإنشاء إلى الشركة الكويتية (شركة بيت المال)، والتي أعلنت عن جملة مشروعات متعلقة بالمدينة، من بينها إطلاق شركة حائل القابضة، التي قالت أنها «ستكون إحدى أذرع المدينة الاقتصادية الاستثمارية». كما وضعت مخططا جديدا للمدينة يختلف عن المخطط الابتدائي الذي وضعته شركة ركيزة. وتحصلت شركة بيت المال على وثائق ملكية أرض المدينة، مع تخويلها بحق الانتفاع، والبدء في تطويرها، مع عدم أحقية البيع، وبلغ عدد الوثائق التي تسلمتها الشركة الكويتية 17 صكا، ل17 قطعة أرض، تصل مساحتها الإجمالية إلى نحو 156 مليون متر مربع. توفير 119 ألف وظيفة وقالت شركة بيت المال في ذلك الحين (يونيو 2009) أن المشروع، الذي تم تقسيمه لخمس مراحل، سيتم الانتهاء من مرحلته الأولى في نهاية عام 2012. ولكن بات واضحا الآن أن هذا الموعد لن يكون واقعيا. وكانت الشركة الجديدة، التي ركزت في البدء على تجهيز مدرج المطار الدولي المزعوم إنشاؤه داخل المدينة، توقفت عن الأعمال بعد فترة قصيرة من البدء. ولم تُحدث أي تغيير على أرض الواقع سوى القيام بحفريات تأسيسية لمدرج المطار وتوقفت عند هذا الحد. ووفقا لتصريحات أدلى بها نائب المدير العام في شركة بيت المال للاستثمار فاضل العون في أكتوبر 2009، فإن مدينة حائل الاقتصادية «سيتم تنفيذها على عدة مراحل حيث تشمل المرحلة الأولى من خطة تطوير المدينة ثلاث مراحل، يتم استثمار 6.4 مليار ريال في البنى التحتية وثلاثين ملياراً ضمن مشروعات الأعمال خلال الأعوام السبعة المقبلة بما يؤمن أكثر من ثلاثين ألف وظيفة، وفي المرحلة الثانية سيتم استثمار 9.8 مليار ريال في البنى التحتية و48 مليار ريال في القطاعات الاقتصادية الأخرى». وأضاف: «بعد اكتمال المرحلة الثالثة التي ستشهد استثمار 13.7 مليار ريال في البنى التحتية و67 مليار ريال في القطاعات الاقتصادية الأخرى سيوفر المشروع أكثر من 119 ألف وظيفة إضافية». لا يزال الغموض مسيطراً وقالت الشركة بالتوازي مع هذه التصريحات المتفائلة، أنها «تعد بالقليل وتنفذ الكثير» ولكن بعد مرور نحو ثلاثين شهرا من هذه التصريحات صار جليا لمواطني حائل أن العكس هو الصحيح في هذه المقولة، فقد كانت هناك وعود كثيرة وضخمة أمام أعمال تنفيذ بسيطة بل شبه معدومة. ومع هذا الوضع الملتبس الذي وصلت إليه المدينة، عقد أمير منطقة حائل الأمير سعود بن عبد المحسن مؤتمرا صحفيا في يونيو الماضي قال فيه أنه تباحث مع عمرو الدباغ محافظ الهيئة العامة للاستثمار، وكشف من خلاله أن ملامح المدينة ستكون واضحة خلال خمسة أشهر، أي بنهاية العام الماضي 2011، غير أن الوقت تجاوز هذا الموعد دون أن تظهر للمدينة أي ملامح أي نوع، ولا يزال الغموض في أسباب التوقف سيد المشهد في حائل. أهم مناطق الجذب الاستثماري إلى ذلك، وفي تصريحات لاحقة، أعلنت شركة بيت المال أن المدينة ستكون في عام 2020، أي بعد تسع سنوات من الآن وبعد 11 عاما من تسلمها، من أهم مناطق الجذب الاستثماري في المنطقة، غير أن كثرة التصريحات في هذا الشأن وتضاربها وعدم صدقيتها أدت إلى شيوع جو من التشاؤم بين مواطني حائل، حيال تنفيذ المدينة، وربما أصبحت مادة للتندر عند البعض، خصوصا مع الآمال الضخمة التي ارتبطت بها، فهيئة الاستثمار أعلنت أن المدينة ستكون «مركزا إقليميا متكامل المنظومة في قطاع النقل واللوجستيات، وأنها ستستضيف العديد من القطاعات التنافسية التي سيتم بناؤها لاستكمال منظومة النقل واللوجستيات وتلك العناصر هي مطار دولي، وميناء جاف، وسكة حديد الشمال الجنوب، ومحطة لنقل الركاب، ومحطة لنقل البضائع، ومركز متكامل للنقل واللوجستيات، وشبكة من الطرق تربطها بشبكة الطرق الرئيسية في المملكة، وتشمل القطاعات الأخرى المخطط لها في المدينة: التصنيع الزراعي، والخدمات المساندة لصناعات التعدين، والصناعات المكملة للبتروكيماويات. أيضاً هناك القطاعات المساندة داخل المدينة وهي قطاعات العقار التجاري والسكني، التعليم، الصحة، التقنية، والترفيه، وبالتناسب مع ضخامة المشروع، تم حصر مجموعة كبيرة من الفرص الاستثمارية موزعة حسب القطاعات وتختلف هذه الفرص من حيث حجم الاستثمارات والمردود الاستثماري وعدد الوظائف المحدثة للمواطنين، وشملت قائمة الفرص الاستثمارية قطاعات النقل واللوجستيات، والزراعة، التجارة، الصناعة، البنية التحتية، البتروكيماويات، العقار، والسياحة». مهمة نقل وتوزيع 1.5 مليون طن سنويا وبحسب تقرير أصدرته الهيئة العامة للاستثمار، فإن المطار والميناء الجاف سيقوم بمهمة «نقل وتوزيع ما يقارب من 1.5 مليون طن من البضائع سنويا عبر الميناء الجاف الذي يقع على مساحة تبلغ 210 آلاف متر مربع، ومن المتوقع أن يتم نقل حوالي 2.3 مليون راكب سنويا، من خلال وسائل النقل البرية المختلفة». فضلا عن إيجاد «برامج تأهيل سيتم إخضاع الموارد البشرية لها، من خلال منطقة تعليمية في المدينة لتدريب كوادر مؤهلة، لجميع القطاعات الصناعية والاقتصادية، عبر الجامعات والكليات في العلوم التقنية. وستحوي المدينة منظومة متكاملة من المدارس، لتلبي الاحتياجات المتزايدة للمنطقة التعليمية، في حين ستقوم المؤسسات التقنية والبحثية في هذا القطاع، بدعم عمل القطاعات الأخرى، لتأسيس اقتصاد معرفي وتقني في المنطقة. وتبلغ المساحة المخصصة للمنطقة التعليمية أكثر من عشرة كيلو مترات مربعة، ومن المتوقع أن تقدم خدماتها لحوالي أربعين ألف طالب وطالبة من أبناء وبنات منطقة حائل. وفيما يتعلق بالخدمات الزراعية، قالت الهيئة أنه سيتم تخصيص منطقة كاملة في المدينة للخدمات الزراعية، هي عبارة عن تجمع لمختلف الخدمات الهادفة إلى دعم وتطوير القطاع الاقتصادي الرئيسي في المنطقة، من خلال حزمة من الأنشطة المرتبطة بمراحل الزراعة والتصنيع والتخزين. إنشاء مركز متطور للبحوث الزراعية يقدم خدماته لأهالي المنطقة، بهدف تنمية الإنتاج الزراعي، الذي سوف تتم الاستفادة منه سواء في عمليات التخزين، أو في تشغيل عدد من مصانع المنتجات الغذائية، وسيخصص الإنتاج الزراعي وإنتاج المصانع لتلبية الاحتياجات المحلية للمملكة والتصدير. وتوقعت الهيئة أن تجذب المدينة حوالي 700 ألف سائح سنويا، حيث تؤمن لهم مختلف الخدمات من إقامة ومعيشة وتنقلات، كما يضاف لهذه الخدمات أيضا حزمة من الخدمات الصحية المتقدمة. وأشارت إلى أن كل ذلك سيؤدي إلى «نشوء مجتمع سكني يقدر بحوالي ثمانين ألف ساكن، ويتطلب توفير قرابة ثلاثين ألف وحدة سكنية، وثلاثة آلاف وحدة مكتبية». وفيما يرى بعض المواطنين في حائل أن مجرد وجود موقع للمدينة ووجود تحركات للدفع بأعمالها رغم أنها متوقفة حاليا، جدير بالتفاؤل، إلا أن آخرين ينظرون للمدينة بتشاؤم بحت ويعتقدون أن أعمالها التي لم تبدأ بعد، لن تبدأ. حاولت «الشرق» الاتصال بالرئيس التنفيذي لشركة بيت المال فوزي عبدالرحمن الجودر، ولكن تعذر الاتصال به لوجوده في دولة الكويت.