ودعت المملكة العربية السعودية ملكها المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز، – طيب الله ثراه – وأحسن مثواه، وسط حزن غشي القلوب وأبكى العيون، وعقد الألسنة التي كانت تلهج له بالدعاء الصادق بالليل والنهار بأن يشفيه الله إلى يوم رحيله، بعد أن ودعها وهي ترفل بالأمن والاستقرار ونهضة حديثة قل وجودها. لكنَّ عزاءها الأكبر وفرحتها التي غسلت حزنها كان بتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «أبو فهد»- حفظه الله – مقاليد الحكم، ومبايعة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، وهو ما خفف المصاب وجبر القلوب التي انكسرت بعد وداع حبيب القلوب أبو متعب. لقد كان الشعب السعودي يفضِّل تسمية الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأبو متعب دون ألقابه الأخرى التي كان يحملها وهو أهل لها، تعبيراً عنه حُبه ومعزته في نفوسهم، وكذلك كان حاله مع الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله – فهم كانوا يفضلون تسميته بأبو فهد، وهو ما يعكس حميمية العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فالملك سلمان بن عبدالعزيز «أبو فهد» تربطه علاقة متينة بشعبه منذ أن كان أميراً للرياض، وقد شاهدت وسمعت مرات كثيرة في مجلسه الذي كان يعقده في الإمارة لاستقبال الناس والاستماع إلى حوائجهم وشكاواهم وطلباتهم من مواطنين ومقيمين، وكانوا ينادونه وخصوصاً كبار السن منهم بكلمة يا أبو فهد، فقط. إن هذه الحميمية والبساطة في التخاطب بين الحاكم والمحكوم، ليست إلا نتيجة لعمق اللُّحمة بين القائد وشعبه، وعلاقة يندر وجودها في هذا الزمن، حتى أنني وغيري كنا نسمع من فترة لأخرى أحد المواطنين عندما يصعب عليه الدخول إلى أحد المسؤولين في القطاعات الحكومية، بسبب انشغاله أو ارتباطاته الأخرى أو بسبب كثرة الحواجز والسكرتارية التي دونه، وهم يقولون لمدير مكتبه أو سكرتيره يا أخي لو كنت أريد لقاء الأمير سلمان، حينما كان أميراً للرياض، ما كنت لأتأخر كل هذا الوقت، وهم يعنون ما يقولون فأبوابه كانت مفتوحة للجميع دون تمييز بين غني أو فقير أو مواطن عادي أو حتى مقيم، ونحن كذلك في وسائل الإعلام كنا وما زلنا نَعُد أبو فهد، صديق الإعلاميين، ولو أن المجال يتسع لذكرت عديداً من المواقف النادرة التي كان فيها الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- طرفاً مع أحد الإعلاميين، التي لا تزال محفوظة في ذاكرة وأفئدة أصحابها. نعم هكذا كانت وما زالت العلاقة بين الشعب السعودي وقيادته علاقة مبنية على المحبة الصادقة والوفاء، والبساطة في اللقاء، منذ أن وضع لبنتها الأولى المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، المغفور له بإذن الله، وأكمل مسيرتها ملوك المملكة العظام، الذين ساروا على نهج المؤسس وما بدلوا تبديلا. فنسأل الله أن يحسن لنا عزاءنا ومثوبتنا بفقدان أبو متعب، وأن يحفظ لنا ملكنا المحبوب «أبو فهد»، وأن يوفقه في مهامه الجليلة وأن يسدد على الخير خطاه، وأن يحفظ بلادنا من شرور الكائدين.