أصوات الإيقاعات وموسيقى الأبواق وقرب النفخ والدفوف النحاسية وصوت خطوات الأقدام التي تهز الأرض تخبرنا كل صباح أن الفرقة الموسيقية العسكرية قد اقتربت لنقف في انتظار مرورها كل صباح ونحن ذاهبون إلى المدرسة. أصوات قوية وخطوات عسكرية، مارشال عسكري يدك الأرض، البعض ينفخ آلته النحاسية وآخرون يلعبون بالعصي يحركونها في كل اتجاه.. استعراض جميل وقوي يمنحنا السعادة والشعور بالفخر لأنه يقدم لنا رسائل مبطنة تقول لنا إن هناك من هم جاهزون للدفاع عن الوطن.. يستمر العرض ليمر على الشوارع الرئيسة ويستمر إيقاع الطبول وصوت الآلات النحاسية يقرع في الآذان حتى بعد اختفاء الفرقة. عرض بهيج يمنح الناس معنى آخر للغناء والفن.. أناشيد وأغان في حب الوطن..كنا أطفالا نتشرب هذا الحب ونفخر به.. وكبرنا واختفت تلك الفرقة ولم نشاهد مثلها إلا على شاشة التليفزيون أيام المناسبات الرياضية وغيرها ومن أغنية وطني الحبيب لطلال مداح وفوق هام السحب لمحمد عبده، وغيرها، أصبح الوطن مجرد أغانٍ نرددها وقت المناسبات.. ويغيب عن بال كثيرين أن الوطن لم يكن مجرد أغنية أو قصيدة تتغزل في ترابه وبحره ونخيله، فمن لديه مثل هذا الوطن الكبير الذي توجد فيه قبلة المسلمين وأطهر البقاع وبه آخر بئر نفط في العالم وقوة اقتصادية عالمية وموقع استراتيجي لابد له أن يعتز به أكثر من غيره وأن يراه برؤيا مختلفة ..أن يعمل المستحيل للحفاظ عليه فهو خيمتنا التي نستظل تحتها جميعا.. جميعا من شماله إلى جنوبة ومن شرقه إلى غربه ..إنه واحة للجميع.. هذا الوطن كيف نعبر عن حبنا له ؟. أن نعمل جميعا لكي يرتقي ويصبح حضاريا في كل شيء وقويا في كل شيء وأن لا يكون مكانا للفساد والإهمال والصراع وإن يخلص الطبيب في عمله والمهندس والموظف والجندي والإعلامي والعامل .. هذا الوطن لا يحتاج إلى أن نتغنى به فقط أو نغني له ..هو يحتاج أن نعمل له لرفعته فكم من الأوطان تمزقت وانهارت لأنها لم تجد من يحميها ومن يخلص لها ويجعل منها صخرة وقلعة يصعب اختراقها ..لابد من حمايته أولا من شرور أنفسنا ومصالحنا الضيقة قبل أن نحميه من شرور الآخرين .. ادعوا معي، حفظ الله هذا الوطن وهذا الشعب الكريم.