مع قرب موسم الحج الذي يحمل كثيراً من الأجواء الروحانية والإنسانية، إذ يكتنز كثيراً من القيم والأهداف والمقاصد الدينية والدنيوية، يتجلى لحكومة المملكة العربية السعودية بمؤسساتها كثير من التحديات على كافة المستويات، التي تستدعي التصدي لعقباتها سواء كانت على الأصعدة الأمنية أو الصحية والسياحية والتجارية، وقبل بدء المرحلة بأشهر تبدأ الهمم والمساعي في استعار، ومن جانب آخر على ضفاف الوطن تُلهب المواطن الراغب في أداء فريضة الحج حرارة الإحباطات والأزمات غير المبررة، في حين تعلو همته شوقا لإتمام إجراءات ومستلزمات الالتحاق بركب حجاج الداخل، تجدهُ يعدو لأبواب شتى جميعها تُغلق منافذها في وجهه، فيشوبه الإحباط المختلط بالانكسار، فلا شركات الحج المخفض تسعفهُ ولا الحملات الخاصة تحتويه ضمن إمكاناته المعقولة، فمحدودية الأعداد المُتاحة في تلك الشركات من جهة وغلاء التكلفة في الحملات من جهة أخرى، والأمر في احتدام. هل هي مؤشرات أزمة في محيط يضم شركات حجاج الداخل ووزارة الحج والمواطن المنزعج من ارتفاع معدل أسعار حملات الحج عاماً بعد عام!، ورفض الشركات لغالبية المتقدمين لطلب الانضمام بحجة الاكتفاء بالعدد المحدد، مما يستدعي الدفع المضاعف، كما صرح البعض، فنسبة الارتفاع تعدت الحدود المنطقية والمقبولة، إذ وصلت لأكثر من 100%، وهذا مؤشر فيه من التضخم غير المقبول أبداً، خاصة أن كثيرا من المواطنين بدت لديهم قناعة مؤكدة أن إعلانات فتح المجال للتسجيل في شركات الحج المخفض التي أعلنت عنها وزارة الحج أنها شركات لا مجال للقاء بها وأنها إما هُلامية أو غير مؤهلة لتلقي عدد معقول ومُرض من راغبي أداء مناسك الحج، خاصة ذوي الدخل المحدود. فالمطلوب من وزارة الحج هو تفعيل الدور الرقابي بصورة أكثر واقعية، فالبقاء الميداني والمتابعة الدقيقة على أرض الحدث أكثر أثراً من مجرد إصدار تصريحات وبيانات، فكثير ممن كانت لهم تجربة مُسبقة مع هذه الشركات أو حتى الحملات الخاصة بعد عودته للديار سرد الأحداث المملوءة بالمخالفات سواء على مستوى الأنظمة والقوانين التي تقرها وزارة الحج أو على المستوى الإنساني والتعاملي، ومن جانب آخر تبدي تلك الشركات والحملات منطقية تلك الارتفاعات في التكلفة، إذ إن ما توفره من خدمات عالية في جودتها، وما توفره للحجاج من مستلزمات ذات جودة ممتازة، والحرص على توفير الأمكنة القريبة للمشاعر المقدسة وللخدمات المتاحة، وتكلفة استئجار الخيام في منى، كل ذلك يُكلفها الكثير مما يستدعي ارتفاع الأسعار، بينما يُعبر بعض المواطنين أن الحجاج القادمين من خارج المملكة غير السعوديين لا يُكلفهم الحج ربع ما يتكبدهُ السعودي حين يؤدي مناسك الحج عن طريق الحملات المتعددة في المملكة، وكثيرون يتمنون أن تتراجع الحملات عن جشعها المتصاعد في كل عام أكثر من العام الذي سبقه، في حين يتجه كثيرون وللتخفيف من تلك التكاليف الباهظة للعزوف عن استخدام الطيران للذهاب للحج بسبب ارتفاع التكلفة واستخدام الحافلات أو سيارات خاصة، وربما غامر البعض في أداء مناسك الحج دون أن ينضم لحملة، بل اتخذ من مجموعة من الأصدقاء درعاً وعوناً لترتيب رحلة الحج، للتخفيف من تلك التكاليف الخيالية، وكما كل زرع يُربيه غيثٌ، نجد أن العامَّة من الأفراد يُساهمون في دفع تلك الحملات للاتجاه لمزيد من الغلاء وذلك بأنهم اتخذوا منها باباً للمقارنة والتباهي مع الأقارب والزملاء، وكل طرف يُمجد في المميزات الراقية والفريدة التي تمتاز بها تلك الحملة عن غيرها من الحملات، وأصبح البعض يبحث عن الحج الأقل إنهاكاً والأكثر رفاهية والأبرز تباهياً، مُتناسين المقاصد الحقيقية من وراء هذه العبادة، إذن نحنُ ما بين جهات رسمية وجهات تكليفية تفتقد للنظامية في ضبط القضية التي تستفحل وتتمادى كل عام، وما بين أفراد لا يملكون حسَّاً اجتماعياً ووعياً عقائدياً، وكانوا أداة تفعيل للأزمة بعدم تخيرهم لما يُمكنه أن يخفف من مُساندة التوجهات السلبية.