أطلق 29 باحثاً وباحثة من السعودية ومصر والجزائر والأردن والعراق والبحرين والمغرب وماليزيا صباح أمس جلسات المؤتمر العالمي الثاني لمكافحة الإرهاب (حلول فكرية ومراجعات عمليّة)، الذي تنظّمه الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة ويستمر لمدة يومين، بحضور نخبة من المسؤولين والعلماء والمفكرين والإعلاميين، بهدف بناء إستراتيجية علمية برؤية إسلامية للمعالجة الفكرية للإرهاب من خلال التعرف على نقاط القوة والضعف وفرص النجاح والمخاطر المحيطة بكل مراجعة فكرية أو جهد دعوي أو رؤية أو آلية جديدة معززة لإعادة المنحرفين، ودرء الخطر عن المستقيمين، بما يحقق الانتقال بالمعالجات الفكرية من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق. وتخللت الجلسة الأولى، التي رأسها الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس أبحاث ركّزت على المراجعة الفكرية حول قضايا مثل قضية الخلط بين الإرهاب والجهاد وقضية التشهير بالحكام، وتقويم فاعلية دور كل من المناهج الدراسية الجامعية والدراما العربية والأسرة والرعاية اللاحقة للمنحرفين في معالجة ظاهرة الإرهاب، حيث قدّم الدكتور أحمد عبدالكريم شوكة الكبيسي من جامعة إب في اليمن بحثاً بعنوان «المراجعة الفكرية حول قضية الخلط بين الإرهاب والجهاد»، وقدّم الدكتور خالد مفلح آل حامد الأستاذ في المعهد العالي للقضاء بحثاً بعنوان: «المراجعة الفكرية لقضية التشهير بالحكَّام» بيّن فيه مواطن القوة في المراجعة الفكرية لقضية التشهير بالحكام وحصرها في التأصيل الشرعي المبني على الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح ووجود القدوة المعاصرة للأئمة الكبار. وذكر الباحث آل حامد المعوقات الداخلية والخارجية الحقيقية والمحتملة، ومنها تقديم وسائل الإعلام لهذه الوسيلة على أنها من أهم وسائل الإصلاح، وثورة الاتصالات التي تسهم في نشر الشبهات والأكاذيب، إضافة إلى تقرير بعض الدعاة لهذه الطريقة والاستناد إلى بعض النصوص العامة أو المتشابه منها، ووجود الثقافة العامة عند كثير من الناس أن الشجاعة والقوة تكون في إظهار المخالفة للحاكم، والتعتيم الإعلامي على المنهج الصحيح. وألقى الدكتور رفعت محمود بهجات من جامعة جنوب الوادي في مصر بحثاً حول «تقييم الكفاية الداخليَّة والكفاية الخارجية للمناهج الدراسيَّة الجامعيَّة باستخدام أسلوب مواطن الضعف والقوة والفرص والتهديدات»، وطرح الدكتور محمد زين العابدين رستم من جامعة السلطان المولى سليمان في المغرب ورقة بعنوان: «المعالجة الفكرية لظاهرة الإرهاب من خلال الدراما العربيَّة (دراسة تقويميَّة)»، وطرح الدكتور السعيد سليمان عواشرية من جامعة باتنةبالجزائر بحثاً بعنوان: «دراسة تقويميَّة لمدى نجاح الإصلاح التربويّ الجزائريّ في تضمين كتب اللغة العربيَّة بأدب المواطنة (كتاب اللغة العربيَّة للسنة الرابعة إعدادي أنموذجاً)». وأوضح الدكتور عواشرية أن المواطنة ليست تعريفاً بالهوية في البطاقة الشخصية، وإنما المواطنة هي الشعور بالانتماء الصادق المخلص للوطن والولاء له، وأن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المؤسسات التعليمية، من خلال مساقات متعددة أهمها ما تتضمنه محتويات كتب اللغة العربية من أجناس أدبية مختلفة، لما لها من دور في تنمية روح المواطنة لدى النشء. وفي بحث للدكتورة أحلام محمود علي مطالقة من جامعة اليرموك حول «آليَّات تأهيل الأسرة لتحقيق الأمن النفسي والفكري لدى الأبناء – منهج مقترح»، ناقشت الباحثة ضعف قدرة الأسرة على التعامل مع الجوانب النفسية والعقلية لأبنائها والاكتفاء بإشباع الحاجات الجسدية ظنًّا منها أن إشباعها كفيل بإيجاد شخصية متكاملة ما شكل شخصيات غير متوازنة سهلة الانقياد لأفكار متطرفة، ما يتطلب إعادة النظر في تأهيل الأسرة لتطوير قدرتها للتعامل مع هذه الجوانب. وحول الجهود المبذولة برعاية المنحرفين قدّم الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الهليل مدير إدارة المبادرات والبرامج في الإدارة العامة للأمن الفكري بوزارة الداخلية في ختام الجلسة الأولى بحثاً بعنوان «تقويم جهود الرعاية اللاحقة للمنحرفين» هدف فيه إلى التعرف على مواطن القوة والضعف وفرص النجاح والمخاطر (المعوقات) في واقع الرعاية اللاحقة للمنحرفين من الموقوفين أمنياً. وفي الجلسة الثانية، التي رأسها الدكتور ساعد العرابي الحارثي مستشار وزير الداخلية، ركزت أبحاث المشاركين فيها على مراجعة وتقويم عدد من البرامج الموجّهة لمعالجة الإرهاب في محاولة لتطوير تلك التجارب مثل التجربة الماليزية في هذا المجال، وتجربة المملكة في حملة السكينة لتعزيز الوسطية، وتقويم قواعد الاتفاقيات الدولية وإستراتيجية الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، ودور الداعيات في وزارة الأوقاف، وأثر منهج التاريخ في المرحلة الثانوية والأنشطة اللاصفية في معالجة الظاهرة. وقد استعرض الدكتور عبدالله محمد زين المستشار الديني لرئيس وزراء ماليزيا في بحثه، الذي قدّمه في المؤتمر بعنوان «منهج الوسطية في مواجهة الحركات والجماعات الإرهابيَّة – خبرة ماليزيا» تجربة بلاده في مواجهة الجماعات الإرهابية. وأوضح الباحث محمد زين أنَّ حكومة ماليزيا تعاملت مع الجماعات المتورطة في الإرهاب بتحفظ وحذر شديدين، ونالت تأييداً ودعماً واسعاً من المسلمين وغيرهم من الشعب الماليزي. ولم تحتج ولم تلجأ إلى مساعدات خارجية أو تدخل أي جهة معينة لأنها كانت قادرة على حل هذه القضية بنفسها. وفي نهاية البحث ذكر الباحث أنَّ نجاح التجربة الماليزية في مواجهة الإرهاب والتطرف هي حصاد تمسكها وتطبيقها لمبدأ الوسطية منذ أكد دستورها الأول على ذلك بنصه على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي مع السماح لأصحاب الديانات الأخرى بحرية إقامة شعائرهم في أي جزء من أرض ماليزيا. وقال الدكتور عبدالمنعم بن سليمان المشوّح مدير حملة السكينة لتعزيز الوسطية، إن الحملة أسهمت في تصحيح أفكار 1500 من أصل 3250 تمت محاورتهم، مؤكداً أن جميع الحوارات والمراجعات موثقة ضمن مشروع «وثائقي السكينة» لفائدة الباحثين والمختصين، مع ملاحظة اختلاف نسبة التصحيح والتراجع لدى المُستهدفين، مضيفاً أن الحملة نشرت 300 مادة علمية لتأصيل الفهم الصحيح لمسائل النوازل، التي حدث بها الخلل الفكري والزلل المنهجي. وطرح اللواء محمد فتحي عيد عميد كلية علوم الأدلة الجنائية خلال الجلسة الثانية بحثاً بعنوان «تقويم قواعد الاتفاقيَّات الدوليَّة لمكافحة الإرهاب»، حاول فيه تقديم تقويم للاتفاقيات والبروتوكولات المعنية بالإرهاب من خلال أسئلة أجاب عنها عشرة من الخبراء في مجال الإرهاب والقانون الدولي. وقدّم الدكتور إبراهيم عبدالفتاح رزق من كليَّة التربية في حفر الباطن بحثاً حول «تقويم دور مناهج التاريخ في المرحلة الثانويَّة في مكافحة الإرهاب»، وهدف البحث إلى بناء إستراتيجية علمية برؤية إسلامية لدور مناهج التاريخ في المرحلة الثانوية بالتعليم السعودي في مكافحة الإرهاب من خلال التعرف على نقاط القوة والضعف، وفرص النجاح وأوجه القصور في المناهج الحالية. ومن القاعة النسائية طرحت الدكتورة رقية سليمان عواشرية من جامعة باتنة في الجزائر «إستراتيجية الأممالمتحدة في مكافحة الإرهاب بين صرامة النصوص وموازين القوى»، بيّنت فيه أن تضرّر دول العالم من الإرهاب وخطره أدى إلى اعتماد إستراتيجية عالمية للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب من قبل جميع الدول الأعضاء وذلك في سبتمبر2006، لتكون بذلك المرة الأولى التي تتفق فيها البلدان في مختلف أنحاء العالم على نهج استراتيجي موحد لمكافحة الإرهاب. وأكدت أنه «بالرغم من صرامة بنود هذه الإستراتيجية في مكافحة الإرهاب، إلا أن الواقع العملي أثبت أن هذه الإستراتيجية تبقى إلى حد ما نظرية وحبيسة أدراج الأممالمتحدة، لأن موازين القوى هي سيدة الموقف على مستوى العمل الدولي، وإلا لما كان هناك إرهاب محمود نغض عنه البصر، وآخر مذموم نعد له ما استطعنا من قوة». وقدّمت الباحثة أميرة فوزي علي دراسة بعنوان «تقويم دور الداعيات لدى وزارة الأوقاف في التوعية بمخاطر الإرهاب والحدّ منه»، قدّمت من خلالها مقترحات وتوصيات لتوضيح كيفية الوصول إلى الفرص المتاحة واستغلالها والتغلب على التحديات من أجل زيادة فاعلية دور الداعيات في التوعية بمخاطر الإرهاب والحد منه. وشاركت الدكتورة رقية طه العلواني من جامعة البحرين ببحث بعنوان: «الأنشطة اللاصفيَّة، ودورها في معالجة الإرهاب (نشاط جمال الشباب أنموذجًا)»، وقالت عن البحث إن أهميته تأتي من كونه قد تم تطبيقه على مدى ستة فصول دراسية، اكتسب خلالها ممارسة ومراجعة ميدانية، كشفت جوانب القوة والضعف وما يمكن تطويره في خدمة معالجة الانحرافات الفكرية، ومنها الإرهاب لدى الطلبة في المرحلة الجامعية تحديداً. من جانب آخر، يشهد المؤتمر جلسات للمراجعة الفكرية لعدد ممّن تأثروا بالفكر التكفيري والإرهابي المتطرف سابقاً، وعادوا إلى منهج الصواب بعد جهود المناصحة وإعادة التأهيل، حيث سيتحدثون عن تجربتهم في الخروج من نفق الإرهاب المُظلم، إضافة إلى تنظيم الجامعة على هامش المؤتمر مسابقةً دولية للخط العربي في كتابة نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، التي تحرّم الإرهاب وسفك الدماء المعصومة وتدعو إلى الحوار والتعايش مع الآخر، ومعرضاً للأعمال واللوحات المشاركة التي بلغت حوالي 100 لوحة من 13 دولة. وتصاحب المؤتمر أيضاً وقفة طلابية داخل الجامعة، يشارك فيها أكثر من 1000 طالب يمثلون أكثر من 200 جنسية ولغة من مختلف بلدان العالم، يحملون لافتات بلغاتهم يُعلنون فيها إدانتهم للإرهاب والتطرف.