أستفيق متأخراً على الفواجع، وربما أصحو باكراً لا فرق. المهم أنني أشعر بتحولي عما قريب إلى شيخ طريقة مرتب، ولا يهم ما هي هذه الطريقة؛ الناس لا يسألون أحداً عن طريقته وجدواها طالما أصبح شيخاً يبيع لهم الجنة والحور العين والوهم بانتظام مثل حبوب الضغط والسكري. أصبح كل خبر على الشاشة عبارة عن جريمة تسد عليك منافذ الضوء، وتستهلك ما تبقى في أعماق وعيك من كتب وأوراق قرأتها في يوم من الأيام، وها أنت نادم أشد الندم أنك قرأت وتعلمت ورأيت ما لم يلجمك عن التفكير في القتل، وسيبقى يوم فنائك الأول هو اليوم الملعون الذي دخل فيه التلفزيون إلى بيتك. هذا القتل والدمار إن انسقت معه فينسيك مزمارك، وأسماء غنمك، وبداياتك الأولى؛ أنت تلهث الآن في فضاء ليس لك، ولا يشبهك في شيء.. فهل تشعر بطعم الدم على شفتيك؟ بالتأكيد! لا بأس هذا عارض طبيعي لكل من يشاهد التلفزيون، ويفتح الإنترنت في هذه الأيام النحسات، ويترك مهنة الرعي ويذهب إلى القتال في بلاد لا تشبهه!! حينما تترك أغنامك في القرية وتلتحق بالمقاتلين؛ فلن تلبث إلا قليلاً من الوقت حتى يلزموك من جديد بالعودة إلى نفس مهنة الأنبياء التي هربت منها، وسترعى الغنم أيضاً على جبهات القتال؛ لكنها أغنام المخابرات لا أغنام أهلك الطيبين المباركين. سينظرون إليك بدونية حتى وأنت تحمل البندقية وتدافع عن أرضهم؛ أنت مجرد راع بالنسبة لهم ولن تتخلص من تبعات المهنة والثقافة مهما فعلت، وستفضحك دائماً بقايا العشب الأخضر تحت أظافرك الطويلة؛ فلا تتنكر أرجوك لأيامك الطاهرة. أنت من الرعاة الذين يحتفلون بأعياد ميلادهم بعدد سنابل القمح، ومشاوير الضحى القصيرة، وستبقى وحدك الأقدر على رصد انحدار مواسم الحب، حتى لو حاولت ركوب موجة القتل، ففي أعماقك أبداً راع لا يموت؛ فلا تعذبه أرجوك. وبكوني شيخ طريقة هذا الصباح فسأفتيك حباً أن تعود إلى مزمارك يا ولدي، وأن تمارس حياتك في ملكوت النقاء والطهر، وإياك أن تكون راعياً لأغنام المخابرات والجماعات على جبهة لا تخصك؛ لا تهرب من الأنبياء، وعد إلى مراعيك الخضراء حيث لا فتن ولا ضبابية.. انتهت الفتوى.