تتكرر حوادث التحرش بالأطفال والاعتداء عليهم منذ قديم الأزل. ساعدت وسائل التواصل الحديثة ووعي الأهالي بالتبليغ على انتشار أخبار الاعتداءات الجنسية التي تستهدف الأطفال، ولكنها تعتبر قمة الجليد من الحالات الفعلية التي لم تشهر ولم يبلغ عنها. انتشر مقطع يصور اعتداء شاب على طفلة صغيرة بحقيبتها المدرسية وآخر عن استنجاد طفل لإنقاذه من اعتداء جنسي متكرر من قبل وافد في جدة، وكذلك تحرش من مذيع أطفال في أحد المجمعات المشهورة في الرياض، وغيرها من المشاهد والأخبار التي صارت تثير الخوف عند الأهالي من أن تخدش براءة أطفالهم بسبب مجرم لم يخف الله فيهم. لكننا في الواقع نرى أحكاما مخففة على من يمارس التحرش بالأطفال مقابل أحكام قاسية لأفعال أخرى قد تضر صاحبها فقط، ونقارن هذا بالأحكام في المجتمعات الغربية الصارمة للمدانين بتهم التحرش والاعتداء على الأطفال، حتى لو كان برضاهم. هناك كثير مما لا يقال للخوف من فتح التابو والوصمة الاجتماعية تجاه المعتدى عليه ومواجهة حقيقة منتشرة تستلزم وقفة صريحة وحازمة للتعامل معها، فمن يعتدي الآن لربما كان معتدى عليه سابقا، ومن اعتدي عليه الآن سيعتدي على آخرين لاحقا. – ما هو الميل الجنسي نحو الأطفال؟ عرف بأنه اضطراب جنسي وسلوكي يتعلق بالأشخاص الذين يفضلون إقامة العلاقات الجنسية مع الأطفال. ينتمي هذا الاضطراب لمجموعة اضطرابات عامة في التفضيل الجنسي أو الميول الجنسية ويطلق عليه علميا اسم «بيدوفيليا» (Pedophilia). يتسم المصاب باشتهاء الأطفال برغبات جنسية أو تخيلية تتعلق بالأطفال لفترة طويلة لا تقل عن ستة أشهر. وقد تكون مجرد تخيلات ورغبات دون ممارسة فعلية أو تتطور إلى الممارسة. – ما مدى انتشار مشكلة الميل الجنسي نحو الأطفال؟ من الصعب تحديد انتشار مشكلة «البيدوفيليا» في المجتمع بإحصاءات دقيقة، لأنها لا تظهر إلا بالتبليغ أو الفضيحة. لكن تشير التقديرات إلى نسب لا يستهان بها من الحالات التي تعرضت لتحرش أو اعتداء جنسي قبل عمر 18 سنة. ولا يفترض أن يكون اعتداء كاملا، قد يكون فقط من خلال المداعبة والاحتضان أو لمس الأماكن الحساسة، وقد تتطور إلى الاعتداء الكامل الذي قد يكون بالعنف والاغتصاب أو برضى الطفل نفسه بعد تمهيده نفسيا بإثارته جنسيا. لوحظ في الدراسات العلمية حول مغتصبين للأطفال أنهم يعانون أيضا من اضطرابات نفسية أخرى مثل: الهلع (Panic Disorders)، تعاطي المخدرات، اضطراب السيطرة على الانفعالات (Impulse control disorders)، هوس السرقة (Kleptomania )، اضطرابات أخرى تتعلق بالرغبات الجنسية لدى غالبية المصابين باضطراب حب الأطفال مثل اضطراب الرغبة بالتعري، استراق النظر (البصبصة)، الرغبة بالاحتكاك بأجسام الآخرين، اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Anti – social Personality Disorder)، واضطراب الوسواس القهري (Obsessive compulsive disorder). – أسباب الميل الجنسي نحو الأطفال: قد يعتقد بعضهم أن الميل الجنسي للأطفال والتحرش بهم ناتج عن الكبت الجنسي، ولكن انتشاره في دول بها حرية جنسية أو ممارسته من قبل متزوجين محصنين أو الرغبة في السفر لدول متحررة لممارسته، يجعلنا نرجح أن هناك مشكلة في المعتدي نفسه، بغض النظر عن المجتمع وظروفه والحرية الجنسية المتاحة فيه. إلى الآن لا يوجد سبب عضوي واضح لهذا الاضطراب الجنسي، فهو لا يتعلق بتغير هرموني يمكن قياسه، ولكن وجد أن أكثر من 50% من الحالات التي عرف أصحابها بميولهم الجنسية تجاه الأطفال قد تعرضوا للاعتداءات الجنسية خلال مرحلة الطفولة. ظهرت أقوال مؤخرا عن وجود تغيرات بالتصوير الدماغي للأشخاص الذين وجد عندهم ميول جنسية تجاه الأطفال وصفت بوجود أنماط شاذة من النشاط الدماغي في المناطق المرتبطة بالشغف والإثارة الجنسية؛ افترض من خلالها أن هذا الاضطراب هو نتيجة لإصابة جنسية مبكرة، تؤثر على مراكز بالمخ لتسبب ارتفاعا حادا بعتبة الاستثارة، ورغم أن هذه الفرضية تبدو مبشرة، إلا أنه ما زالت قيد البحث لإثباتها. – العلاج: للأسف ليس من السهل علاج الميول الجنسية عموما والميل الجنسي نحو الأطفال خصوصا، فلا يوجد علاج دوائي أو حتى سلوكي محدد يعطى للمهووس بالأطفال جنسيا لمنع تخيلاته ورغباته أو أن توقفه عن الاعتداء الفعلي على الطفل. يرفض المجتمع هذه الممارسات وحتى من يمارسها قد يظهر أنه يرفضها لأنه يخجل منها ومن ممارستها، وتضع الدول سياسات وأنظمة قانونية للحد من هذه المشكلة، لكن حتى هذه الأساليب لم تنجح بعد. فنسبة المصابين بهذه المشكلة يعودون للاعتداء على الأطفال مجددا حتى لو شهر بهم وأطلق سراحهم من السجن، وهذا حتى في الدول التي تشدد العقوبات القانونية على المعتدين على الأطفال. إن العلاج الوحيد الذي ثبت نجاحه جذريا لعلاج هذه المشكلة هو الإخصاء، لكنه مرفوض لعدم إنسانيته. يحاول بعضهم الاجتهاد بوصف أدوية تخفض مستوى الهرمون الذكري في الدم بطرق مختلفة ومنها أعشاب مثل مادة الكافور، لكنه اتضح أنها تسبب حدوث أعراض جانبية خطيرة. يحتاج التعامل مع هذا الاضطراب إلى صبر واستمرارية في العلاج الدوائي والسلوكي والنفسي يسبقها تفهم بأنه اضطراب جنسي سلوكي لشخص يحتمل أنه كان سابقا ضحية وتحول إلى جانٍ. ويفترض أن توفير إمكانيات العلاج بسرية ويسر لمن يعاني من انحرافات بالميول الجنسية وإعطائهم حوافز للعلاج. كما ينبغي وضع علاج نفسي مكثف للطفل الذي يتعرض للاعتداء الجنسي من قبل معالجين نفسيين مختصين تضمن سريته وخصوصيته. وعلى الأهالي أن يعوا هذه المشكلة لحماية أطفالهم بإرشادهم عن كيف يتجنبون أو يحمون أطفالهم من المتحرشين جنسيا، وأن يحتووهم لو حصل لأطفالهم أي نوع من التحرش ولو لم يكن باعتداء كامل، لتجنيبهم مشكلات كبرى قد يعانون منها مستقبلا.