ساعات عصيبة، عاشها رجال حرس الحدود في قطاع القحمة البحري بمنطقة عسير، في مواجهة عصابة محترفة لتهريب المخدرات، انتهت بإحباط محاولتهم لتهريب السموم إلى المملكة، والقبض عليهم. تجربة ناجحة لرجال حرس الحدود عايشتها «الشرق» لحظة بلحظة، ولمست المخاطر التي يعايشها هؤلاء الرجال، واستبسالهم لإحباط واحدة من أكبر عمليات تهريب المخدرات في قطاع القحمة البحري. كانت الأجواء غير مهيأة للإبحار، فالرياح شديدة، والأمواج عالية، حتى أن الصيادين لا يلبثون أن يعودوا كلما أبحروا للصيد. لكن دوريات حرس الحدود لا تعبأ كثيراً بهذا الخطر المعتاد، فتابعت تمشيط المنطقة، وتنبيه المتنزهين على الشواطئ الهاربين من صقيع أعالي جبال السروات، ليتجنبوا المخاطر المحتملة للبحر. وانتشرت فرق الإنقاذ تحسباً لأي طارئ، يواصلون أعمالهم بمثابرة دون كلل. في الخامسة من عصر الإثنين الماضي، تلقى حرس الحدود معلومة عن محاولة لتهريب كمية كبيرة من المخدرات إلى البلاد عبر سواحل البحر الأحمر. لم تكن المعلومة غنية بالتفاصيل، بل مجرد مؤشر ينتظر تغذيته بمعلومات دقيقة؛ حيث تمتد سواحل هذا البحر لمئات الكيلومترات. لم تشر المعلومة (تلميحاً أو تصريحاً) إلى المكان الذي سيدخل منه المهربون، غير أن تحمل المسؤولية، والتطور، والتأهيل المستمر، دفع رجال حرس الحدود إلى تحليل المعلومة وفق معطيات على أرض الواقع. وأُعلنت حالة التأهب القصوى، وتحركت الدوريات البحرية والبرية على الشاطئ، وبدأت بتمشيط سواحل منطقة عسير، ترصد وتترقب وتحلل كل الملاحظات على الشاطئ وداخل البحر. جميع العاملين يرصدون، ويمررون مشاهداتهم إلى القيادة. وأبدى محرر «الشرق» رغبته في خوض هذه المغامرة ومرافقة الدوريات في عملها، إلا أن خطورة العملية جعلت قائد قطاع القحمة، العقيد بحري عبدالله ناصر الشهراني، يفضل عدم مجازفة المحرر بحياته في العملية التي ليس من المعروف متى تنتهي. وفي ظل شح المعلومات والتعامل مع معلومة واحدة في بحر ذي مساحات شاسعة، تم فرض طوق استنفرت فيه ثلاث مناطق في كل من قيادة حرس الحدود في منطقة جازان، وقيادة منطقة عسير، وقيادة المنطقة الغربية، وأخذوا في تطبيق عملية الطوق وتغطية المياه الإقليمية والشواطئ في كل المنطقة وقد حل الظلام، وتم إحكام الطوق وسط تبادل للمعلومات بسرية تامة. ومع مرور الوقت تم رصد القارب، وبدأ العقيد الشهراني يوجه الفرق وسط البحر، والدوريات البرية على الشاطئ، ويقوم بمراقبة القارب دون الاقتراب منه حتى تتم السيطرة عليه، وأوهموا المهربين أن الأوضاع مطمئنة كي يصلوا إلى الشاطئ وينزلوا الحمولة. وبحلول التاسعة مساء، تمكن المهربون من الوصول إلى شاطئ مركز «عمق» التابع لمحافظة البرك؛ حيث الموقع المتفق عليه مع من كان بانتظارهم لاستقبال شحنة المخدرات. وعندما بدأت عملية إنزال الحمولة، وانهمك المهربون فيها، دقت ساعة الصفر، وتحركت قوات حرس الحدود عن طريق البحر والبر، ليتم تطويق الموقع. وما أن تبين للمهربين أنهم وقعوا في كمين محكم، حتى حاول مستقبل المخدرات الهرب، فيما قرر المهربون العودة إلى عمق البحر، وبدأ تبادل إطلاق النار، وتمكن رجال حرس الحدود من تعطيل سيارة مستقبل المخدرات والقبض عليه سريعاً، فيما استمر قائد المركب في محاولات الفرار مع عدد من أعوانه، في ظل تبادل لإطلاق النار، الأمر الذي اضطرهم للرجوع بالقارب إلى الشاطئ. وتمكن رجال حرس الحدود من إصابة أحد المهربين، والقبض على آخر. وتفرق المهربون على الشاطئ سيراًُ على الأقدام، وحاولوا الاختباء وسط أهالي المنطقة، إلا أن الدوريات البرية تعقبتهم، فيما كانت الفرق البحرية على الشاطئ تحاصر المُهَربات، وتم إسعاف قائد المركب الذي أصيب في تبادل إطلاق النار، ونقل على الفور إلى مستشفى القحمة العام. وخلال فترة وجيزة تمكنت الدوريات البرية من القبض على 5 من المهربين الذين اجتهدوا للهرب في المنطقة غير أن رجال حرس الحدود تمكنوا خلال تنفيذ عملية (الطوق) من تأمين كافة المواقع المحتملة بالإضافة إلى تنفيذ عدة خطط بديلة تحسبا لأي طارئ. بعد أن تمكن رجال حرس الحدود من السيطرة على الموقف، وصلت جميع الفرق إلى الموقع، وبدأوا تمشيطه وحصر المهربات ونوعيتها. وكشفت التفاصيل عن كمية من مادة الحشيش المخدر قدرت ب 838 كيلوجراماً، بالإضافة إلى سلاح كان بحوزة المهربين وأجهزة جوال فيما تمكنوا من التخلص من هاتف الثريا بإلقائه في البحر حتى لا يتم تعقب الاتصالات والرد عليها، كما ضبط جهاز تحديد المواقع GPS. كان المهربون التسعة أمضوا نحو يومين وليلة نائمين في عرض البحر على متن القارب متوسط الحجم ذي المحركين، الذي حفل بكثير من الاستعدادات لرحلة القدوم والعودة شملت عدداً من براميل الوقود وكميات من عبوات المياه والحليب والفطائر والعصائر والمعلبات. وكانت سيارة نقل المخدرات تنتظر على الشاطئ وهي من نوع صالون أسود ويقودها شخص سعودي بمفرده، الذي حاول الهرب من الموقع وتمت السيطرة عليه بعد تعطيل السيارة والقبض عليه. عندما وصلنا بعد انتهاء عملية القبض كانت الفرحة عارمة على وجوه جميع ضباط وأفراد حرس الحدود، وكان الجميع يتبادلون التهاني مع قائد القطاع العقيد بحري عبدالله ناصر الشهراني وسط تشجيع وتحفيز، فيما تلقى القائد اتصالا من مدير حرس الحدود في منطقة عسير اللواء سعود بن مطلق النومسي هنأ فيه الجميع على هذا الإنجاز غير المستغرب على رجال حرس الحدود، ونقل قائد القطاع تحيات وشكر قائد حرس الحدود في منطقة عسير للجميع. ورغم الإرهاق والخطر والتعب إلا أن الجميع كانوا في سعادة متناهية. بعد هذا الإنجاز وجه قائد حرس الحدود في منطقة عسير اللواء سعود النومسي عدداً من ضباط المنطقة بالانتقال إلى قطاع القحمة والتحقيق في القضية ومعرفة تفاصيلها؛ حيث حضروا في القطاع صباح اليوم التالي وباشروا إجراءات التحقيق حتى اليوم التالي؛ حيث تمكنوا من الحصول على معلومات مهمة تفيد الأمن الوطني للمملكة، وتم تمرير المعلومات للجهات المختصة، فيما أُرسلت الكمية المضبوطة إلى مديرية مكافحة المخدرات، وتم تزويدها بالمعلومات الكافية. وكان الناطق الإعلامي لحرس الحدود في منطقة عسير العقيد عبدالله أحمد الحمراني أوضح أن الدوريات التابعة لقيادة حرس الحدود في منطقة عسير تمكنت من ضبط 838 كيلوجراماً من مادة الحشيش المخدر في مركز عمق بقطاع القحمة، وأن عملية القبض تمت بعد اشتباه إحدى الدوريات في سيارة متوقفة على شاطئ عمق، وعندما شاهد قائد السيارة الدورية لاذ بالفرار فتمت مطاردته والقبض عليه.