في بداية الطفرة الأولى، نشأت لدينا أزمة الإسمنت، وارتفعت أسعاره وشح المعروض منه في الأسواق، ووقتها لم تكن هناك مصانع إسمنت بهذا العدد الموجود الآن، والطاقة الإنتاجية ضعيفة قياساً بإنتاج اليوم، وقامت وزارة التجارة بالتدخل وأصبحت الكميات لا تصرف إلا تحت إشرافها، وتكدس الناس بالطوابير أمام مكتب توزيع الإسمنت ونشطت الواسطات والسوق السوداء، وكان التجمع الوحيد والتكدس البشري في كل مدينة هو عند هذه المكاتب للحصول على الإسمنت، ومع الطفرة الثانية ومنذ ما يقرب من العام، برزت أزمة الإسمنت مرة أخرى بعد أزمة الحديد وأزمة الشعير وأزمة الماء، على الرغم من تعدد مصانع الإسمنت في المناطق وطاقاتها الإنتاجية الهائلة التي كانت تفيض عن الحاجة ويتم تصديرها إلى الدول المجاورة، مما يؤكد النهضة العمرانية والإنشائية الضخمة التي تعيشها بلادنا هذه السنوات، وتدخلت وزارة التجارة وألزمت مصانع الإسمنت بعدم صرف أية كمية من إنتاجها اليومي لمتعهدي المناطق إلا بعد أن يختم مندوبو الوزارة على وثيقة صرف تفيد بأن المتعهد صرف الكميات حسب السعر المحدد من وزارة التجارة والصناعة والمحدد ب15 ريالاً للكيس، وصرفها للمستحق، وأي متعهد لا يحمل هذه الوثيقة لا يصرف له – بحسب صحيفة المدينة – أي بمعنى آخر: عدنا إلى ما قبل أربعين عاماً، ومن خلال تجربة الدول المجاورة كمصر والجزائر في فترات سابقة، فإن تدخل الجهات الحكومية في الصرف والتوزيع يزيد الأمور بيروقراطية وثغرات للتحايل، ولا يمكن ضبطها أبداً، والحل بعيداً عن النظريات السوقية والتوزيعية وبحساب الجمّالة البسيط، هل لدينا أزمة في المعروض أم لا؟ إن كان هناك أزمة والكميات المنتجة لا تكفي حاجة السوق لنفتح باب الاستيراد ونضخ كميات كافية ونحن نستورد كل شيء، فهل جاءت مثلاً على الإسمنت؟ وإن لم تكن هناك أزمة والكمية كافية والقضية مفتعلة فإن دور وزارة التجارة والجهات الرقابية أن تعلق الهوامير الذين صنعوا الأزمة من آذانهم على الملأ وليس مجرد غرامات وتشهيرا في الصحف على استحياء وليكن شعارها: عمي يا جمال قم شد الحمولي على طريق نعمان يا ويل حالي