قبل أن نلج في دهاليز البحث عن إجابة، لا بد أن نتوقف مع الكلمة (نفير) التي يبدو أنها اختيرت بعناية وقصد كي تكون مفردة تجييش وتدليس للتأثير على العامة، فعادة كلمة نفير تأتي مضافة (للعام)، فحسب موسوعة ويكيبيديا (هو – النفير العام – عملية استنفار لعامة الناس من أجل القيام بقتال العدو أينما وجد، لا تقتصر هذه العملية على فئة معينة بل تشمل كل عامة الشعب لتهب وتنفر لمهاجمة وقتال العدو بوسائل مختلفة). وفي معجم اللغة العربية المعاصرة (النفير العام: قيام الناس عامة لقتال العدو)، وفي قاموس الرائد (جماعة لما دون العشرة، قوم يسرعون إلى قتال أو نحوه)، ولهذا أجزم أن انتقاء كلمة (نفير) وليس مثلاً كلمة (خروج) التي كانت تستخدم أيام الجهاد الأفغاني، هي للإيحاء بأن هناك مجموعات تذهب لسوريا بقصد (الجهاد)، ولستُ هنا بقصد تأصيل الكلمة أو تقعيدها، لكن الكلمة أصبحت متداولة في شبكة الإنترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي خاصة، قد أكون أكثر تسامحاً، وأعتبر الذهاب للجهاد في سوريا (على اعتبار أنها فعلاً أرض جهاد) حرية شخصية، لكن تكرار المشهد للذاهبين هُناك يدعو للتوقف، فالذاهبون هُناك أغلبهم من الشباب الذين لم يعرفوا بالعلم الشرعي، الأمر الآخر أنه بمجرد وصوله إلى هناك فإنه ينشر صورته باللباس الأفغاني والكلاشينكوف، ورمزية المظهر تنقلك مباشرة لمشهد مقاتلي القاعدة، وكأن هناك ارتباطاً بين تنظيم القاعدة والجهاد، الخيط الرفيع الذي تحدثه الصورة هو إنشاء (هاشتاق) على هيئة ( نفير فلان للجهاد)، وفيه تجد أصحاب أسماء وهمية أو مُستعارة (غير حقيقية) يباركون ويهللون ويشتمون القاعدين مع النساء، وهؤلاء ليس عاطفيون أو بسطاء، بل يتضح من ردودهم أنهم ضالعون في العلم الشرعي، وينتقون بذكاء أو خبث ومكر نصوصاً بعيدة عن سياقها، ويجابهون أي فكرة أو مناقشة بإرهاب لغوي عنيف، فبعد المباركة المُطلقة لفتى لم يتجاوز سن الرشد بعد، إلى امرأة أعلنت (نفيرها) إلى أرض الجهاد ولحقت بأخيها هناك كما تقول، وهنا تحديداً لم يعترض أولئك على صورتها وهي (بعباية كتف، وليس إسلامية) وهي ممسكة بالكلاشينكوف، ولم يعترضوا على خروجها بدون محرم حتى تصل لأخيها، ولا لأي فصيل (جهادي مُسلم) ستنطوي وتقاتل! السؤال هُنا: هؤلاء المجيّشون والمحرضون على (النفير) لماذا يلجأون لأسماء وهمية؟ الجواب الذي يتذرعون به أن ذلك لدواعٍ أمنية، لكن الجواب الحقيقي هو أن الاسم المستعار سيجعله يمارس التحريض (من وراء نقاب) كي لا يقال له لماذا لا تذهب أنت أو تجعل أبناءك يجاهدون، وكما قال أحدهم: (الجهاد واجب سواء كان بالسيف أو اللسان)، ويبدو أنهم هم من يحدِّدوه، فلهم جهاد اللسان، وللبسطاء الذهاب إلى معركة لا يُعرف طرفاها!