مهما تباينت الآراء حول مفهوم الإعلام ، ومهما جاءت تقسيماته فإنها في مجموعها تلتقي في أن الإعلام هو اتصال بين طرفين بقصد إيصال معنى ، أو قضية أو فكرة للعلم بها ، واتخاذ موقف تجاهها. أما اليوم فقد اتسع مفهوم الإعلام ليشمل كل أسلوب من أساليب جمع ونقل المعلومات والأفكار ، طالما أحدث ذلك تفاعلا ومشاركة من طرف آخر مستقبل. ظهر مصطلح الإعلام التربوي في أواخر السبعينات عندما استخدمته منظمة اليونسكو عام 1977، للدلالة على التطور الذي طرأ على نظم المعلومات التربوية، وأساليب توثيقها، وتصنيفها، والإفادة منها. و مع التطور التقني الهائل الذي طرأ على وسائل الإعلام في العقود الأخيرة تطور مفهوم الإعلام التربوي، وامتد ليشمل الواجبات التربوية لوسائل الإعلام العامة، المتمثلة في السعي لتحقيق الأهداف العامة للتربية في المجتمع، والالتزام بالقيم الأخلاقية، ويعزى هذا التطور لعدة أسباب منها تطور مفهوم التربية الذي أصبح أوسع مدىً ، حيث النظر إلى التربية على أنها عملية شاملة ومستدامة، و انتشار وسائل الإعلام على نطاق واسع، وتنامي قدرتها على جذب مستقبل الرسالة الإعلامية، وبالتالي قدرتها على القيام بدور تربوي مواز لما تقوم به المؤسسة التربوية، و تسرب بعض القيم السلبية، والعادات الدخيلة على ثقافة المجتمعات، وتحديداً في البلدان النامية تحت غطاء حرية الإعلام . يعنى الإعلام التربوي بكل ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من رسائل إعلامية ملتزمة، تسعى للقيام بوظائف التربية في المجتمع، من نقل للتراث الثقافي، وغرس لمشاعر الانتماء للوطن، بحيث تتمكن مختلف فئات المجتمع من إدراك المفاهيم، واكتساب المهارات، والتزود بالخبرات، وتنمية الاتجاهات، وتعديل السلوك. يهدف الإعلام التربوي إلى الإسهام في تحقيق سياسة التعليم و تنمية الاتجاهات السلوكية البناءة والمثل العليا في المجتمع ، و تلمس مشكلات المجتمع ، والعمل على بث الوعي التربوي تجاهها ، كذلك التعريف بجهود الدولة تجاه الوطن وأبناءه، ومتابعة وسائل الاتصال الجماهيرية ، والاستفادة من الرؤى العلمية ، والوقوف على مطالب الميدان من خلال ما تبثه من معلومات ، بالإضافة إلى تبني قضايا ومشكلات التربية والتربويين والطلاب ومعاجلتها إعلاميا و إبراز دور المدرسة بوصفها الوسيلة الأساسية للتربية والتعليم والتواصل مع المجتمع من خلال نشر الأخبار ، وتزويد الرأي العام بالمعلومات الصحيحة عن البرامج والمشروعات التعليمية والتربوية التي تحقق المسئولية الجماعية للعمل التربوي. تنبع أهمية الإعلام التربوي من نقله فلسفة وتطلعات العملية التربوية من دائرتها الخاصة والنخبوية إلى دائرة المجتمع بكل شرائحه ومستوياته. لذلك فإن الإصرار على نجاح وتطوير العملية التعليمية بكل أركانها وهياكلها، يقتضي العمل الجاد لتطوير أداء الإعلام التربوي إذ إن هناك علاقة عميقة تربط المسألة التعليمية بالإعلام التربوي بكل أدواته وآلياته. وعلى هدي هذه الحقيقة نستطيع القول: إن الإعلام التربوي وتطويره على مختلف المستويات يعد من الأسس الجوهرية للنجاح في تنفيذ خطط التنمية المجتمعية لأنه يؤسس القواعد النفسية والعقلية، لاستيعاب برامج التنمية الوطنية وخطواتها المختلفة . لا بد من تفعيل دور الإعلام التربوي نحو قضايا المجتمع و منه على سبيل المثال لا الحصر نقل الأخبار التي تشمل معلومات عن الأحداث الجارية و الأفكار والآراء الصحيحة والصادقة سواء في المجتمع العام أو المدرسة. ولا بد من زيادة المعرفة فيما يتعلق بنواحي الحياة العامة حيث إشباع أفق الفرد وفهمه لما يدور حوله من أحداث وقضايا كما يسهم الإعلام التربوي في التثقيف الإجتماعي والأخلاقي والتربوي. كذلك تبادل الآراء والمعلومات وشرح وجهات النظر المختلفة من خلال وسائل الإعلام والعمل على تكامل شخصياتهم ليصبحوا مواطنين صالحين ويقوموا بواجباتهم ومسؤولياتهم، و تنمية الوعي الإعلامي حيث يقوم الإعلامي التربوي بتنمية القدرات المختلفة للتلاميذ في المراحل السنية المختلفة، بناء الفكر الإتصالي وبناء الفكر النقدي لديهم . ولأجل تكوين إعلام تربوي فاعل، ومتخصص، فإننا بحاجة لإطار استراتيجي، يكون قادرا على تلبية طموح المشروع فعليا، وتجاوز " إعلام العلاقات العامة"، أي أن العامل في الإعلام التربوي يحتاج إلى عدة خاصة، يستطيع العمل من خلالها، وألا تكون العدة فقط مهارات صحفية وإعلامية، فالعدة الخاصة لها علاقة مباشرة بالموضوع نفسه، أي في التربية وعملياتها وأدبياتها. من الضرورة بمكان أن يكون الإعلامي التربوي متمكنا بالحد الأدنى بالمعارف والأسس التربوية من الخطط التربوية الإستراتيجية وخطط خاصة بمواضيع محددة مثل تأهيل المعلمين، والتعليم الالكتروني، والقياس والتقويم، والمناهج،و استرايتجيات التدريس ، وأن يكون على دراية بأهم أولويات العمل التربوي و هموم واهتمامات التربية في الوطن ،و التعرف إلى ماضي التربية وحاضرها. الدكتور عويد عوض الصقور . كاتب و تربوي أردني.