المتأمل في سيرة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل – طيب الله ثراه – يجد أنه منذ أن بدأ جهوده وجهاده في سبيل توحيد المملكة , كان واضعاً نصب عينيه أن يكون هذا التوحيد لبلاد الحرمين الشريفين, خادماً للمدينتين المقدستين , ورافعاً من شأن بيت الله العتيق الذي جعله الله مثابة للناس , تهفو إليه قلوبهم وأفئدتهم, استجابة لدعوة إبراهيم – عليه السلام – التي قصها علينا القرآن الكريم في قوله - تعالى -: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍغَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَفَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَالثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم:37). وقد كان الحرمان الشريفان قبل توحيد المملكة يعانيان من انعدام الأمن , وانتشار الفوضى العارمة , والخوف من اللصوص , وقطاع الطرق , وغير ذلك مما فصلته لنا كتب التاريخ , وما يرويه لنا الآباء عن الأجداد الذين شاهدوا تلك الأحداث , وعاصروا تلك الحقبة التاريخية . وكان الملك المؤسس – رحمه الله – كلما دخل قرية أو مدينة, جمع أعيانها من العلماء والوجهاء , وناقشهم , وبين لهم أنه إنما يسعى لجمع قبائل شبه الجزيرة العربية على ماجمعها عليها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو كتاب الله – تعالى – الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ لتعود إليهم عزتهم ومكانتهم الرائدة بين العرب والمسلمين والأمم ، ويعيشوا إخوة متوادين متحابين , كالجسد الواحد , وكالبنيان المرصوص , تغمرهم السعادة في الدنيا , وما عند الله خير وأبقى ,كما قال – تعالى-: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى). ثم ينتقل إلى القبيلة الأخرى , أو المدينة , أو القرية , فيعمل مثل عمله السابق , فتصبح القبيلتان , أو القريتان ، متحابتين , متوادتين، بعد أن كانت بينهما العداوة والشحناء, كما قال – تعالى - : (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) , وهكذا مضى الملك المجاهد – رحمه الله – ينسج وحدة شبه الجزيرة العربية على هدي الكتاب والسنة , حتى تم توحيد هذا الكيان الشامخ, وتأسيس دولة قوية , يمكن أن نطلق عليها – بكل فخر واعتزاز – دولة القرآن الكريم , والسنة النبوية المشرفة.