رمضان جانا وفرحنا الوه .. أهلاً أهلاً يا رمضان .. يرددون هذه القطرات العذبة من الكلام المملوء بالبراءة والطهر الطفولي وهم يسيرون خلف المسحراتي الذي كان يوقظ أهالي الحي والقرية النائمة بعد يوم مثقل بالتعب والعمل في الأرض قبل دخول الكهرباء . كان الأطفال يحملون الفوانيس التي يقال إن اصلها فاطمي، حيث أنه بعد أن أتم جوهر الصقلي بناء مدينة القاهرة، وبنى فيها المسجد وقصر الخليفة الذي كان في تونس، تصادف دخول الخليفة القاهرة مساء أحد أيام رمضان، ومن أجل استقباله أعدوا له عدداً كبيراً من الفوانيس لتضيء الطريق فأصبحت عادة رمضانية . أما حالياً فتستخدم الفوانيس لإدخال البهجة والفرح على قلوب الأطفال، وكثيراً ما يلجأ البعض لتعليق الفانوس الكهربائي بباب بيته كنوع من الزينة والديكور . إن الفوانيس صناعة مصرية في الأساس، لكن الفوانيس الصينية في الوقت الحاضر بدأت تتفوق عليها نظراً لما تمتاز به من بساطة وجمال في اللون ورخص الثمن . أما المسحراتي الذي كان يردد أدعية وتعاويذ وينقر بالدف داعياً الناس أن يصحو من أجل تناول طعام السحور، مصداقاً لقوله عليه السلام «تسحروا فإن في السحور بركة» فيبدو أنه أصبح من الماضي، بعد أن انتقل الناس إلى عصر الكهرباء، حيث تستمر السهرات الرمضانية إلى السحور في أغلب الحالات، كما أن العمل أصبح مريحاً، مما يجعل الإنسان يستيقظ لتناول طعام السحور بطريقة طبيعية ودونما تثاقل . كان حسن المهاجر في إحدى القرى الفلسطينية في الخمسينات والستينات هو ذلك المسحراتي الذي يوقظ الناس في رمضان على صوت طبلته الكبيرة التي يضربها بأدوات معينة، حيث يسمع الصوت في هزيع الليل من على مسافة بعيدة، ومع ذلك فإن البعض لم يكن قادراً على الاستيقاظ رغم أنه يضرب بالدف أمام بيته، أما اثرياء القرية فكان يضرب على باب بيوتهم، ولا يبتعد عن هذه البيوت إلا بعد أن يتأكد أن اصحابها قد نهضوا من نومهم لتناول طعام السحور . ومن الغريب أن طعام السحور في تلك الفترة كان من الأكلات الدسمة الثقيلة على المعدة طيلة النهار، حيث يحس الصائم بالعطش الشديد، ويتوسل إلى الله عز وجل أن يمنحه الصبر والجلد حتى يأتي الآذان من أجل أن يفطر على نقطة ماء. أما حسن المهاجر المسحراتي الذي كان يوقظ الناس من سباتهم العميق، ليستغفروا ربهم ويوحدوه، ويتناولوا السحور فقد كان عمره قرابة الستين عاماً حين حدثت نكبة عام 1967، حيث هاجر إلى الأردن تاركاً دفه وعصاه في فلسطين.