علاقة الإنسان مع الموت علاقة مستمرة مابين تذكر وتفكر وغفلة، يعيشها الإنسان مع رحيل أحبابه في رحلة أخيرة لا عودة فيها ولا رجاء. يودعهم فيها الوداع الأخير وهو نادم على أوقات مضت لم يستدركها معهم تسربت من بين يديه وهو غافل لاٍه في دنياه وعالمه، وحده الموت القادر على إعلامه بقيمتها. وعندما يصدمنا الموت بخبرهم ننعاهم ونستقبل النعي فيهم ونحن في ذهول لحظة سماع الخبر ويقينه. تتردد الأدعية والسلام وبكاء المعزين والمفجوعين في أروقة المكان الذي يضيق بطوابير رواده من المعزين لتغفو وتصحو على صورة من فقدت تملأ المكان وصوته لا يبددها سوى حضور المعزين واستحضارك المستمر لسلامك الأخير على عزيزك الراحل وقبلة الوداع التي تداركت نفسك وطبعتها على جبينه وهو في الكفن. لحظة الفراق صعبة مهما كانت متوقعة فما بالكم إذا ما أتت فجأة لتودع من تحب وأنت معه على موعد للقاء. لا تدري هل تأخرت أنت عن الموعد أم أن الموت هو من استعجله فلا تسامح نفسك ولا غيرك على ما ضاع. يواسيك الأصدقاء والأحباب وما أكثرهم ممن كانوا حاضرين لمشاركتك ألم الوداع وفجيعة الموت ممن هم على علم بمكانة وحجم مافقدته ويتعذر آخرون ممن كانوا في غفلة عنك وعن مصابك ليتداركوا عدم الحضور أو المشاركة ولو برسالة متأخرة. فراق الأحبة بسبب الموت هو أقسى أنواع الفراق وأكثرها امتلاء بالدروس والعبر لا يطفئ لوعته ولا نار ألمه إلا ما تشهده بعد غيابه من طيب أثره واجتماع الناس على حبه ولأجل وداعه. وفي رحيل جدي عتيق بن عبدالرحمن الفواز المؤلم لي ولكل من عرفه رحمه الله وجعل الفردوس الأعلى مكانه ومثواه، عزاء وحيد أنه ترك هذه الدنيا عزيزاً ومحبوباً مثلما كان فيها. وفي وداعه كان هناك احتفاء بطيب ذكره وعمله وما تركه في قلوب من عرفوه من طيب الأثر. عاش مهيباً ذا شأن وكرم ومات كذلك. رحمك الله ياجدي وجميع موتى المسلمين وأبدلك داراً خيراً من دارك وأهلاً خيراً من أهلك وآنس وحشتك في قبرك وألهمنا الصبر والسلوان على فقدك فمثلك لا يملأ مكانه أحد. اللهم آمين.