لم يمض على لقاء خادم الحرمين الشريفين بالسفراء الأوربيين أكثر من أربع وعشرين ساعة حتى جاء اعتداء أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على رجل بريطاني وزوجته السعودية. هذا الاعتداء جاء أيضاً بعد ساعات من الإشادة التي قدمها السفير البريطاني في حق المملكة والتي تناقلتها وكاﻻت الأنباء العالمية وأشاد خلالها السفير بالتطور واﻻنفتاح الذي تعيشه المملكة وبدورها المهم في محاربة الإرهاب إلى جانب الرخاء والأمن الذي ينعم به المواطنون. لكن الرد جاء مدوياً من أعضاء الهيئة بهذا الاعتداء الذي كأنما يريدون به تكذيب إشادة السفير البريطاني بنا!. الصورة الإعلامية للمملكة اهتزت بسبب الفيديو القصير الذي وثق الحادثة وكانت ستكون أسوأ لولا رزانة السيدة عبير -زوجة البريطاني المعتدى عليه- والتي قالت في تصريح إعلامي إنها كانت حريصة على عدم استغلال القنوات الأجنبية للحدث من أجل الإساءة للمملكة ولذلك كانت حريصة على عدم تضخيم الحدث وعدم التعليق عليه في وسائل الإعلام التي حاولت استضافتها. ورغم أنه تم احتواء الحدث سريعاً ووضعه في حجمه الصحيح؛ إلا أنه لا ينبغي الركون إلى هذه النتيجة والاطمئنان إلى العقوبات التي أصدرها رئيس الهيئة د. عبداللطيف آل الشيخ بحق الموظفين المسيئين. لابد من معالجة عميقة للتطرف الذي ما يزال يسكننا ويتحكم في مواقفنا. إن ما رأيناه في الفيديو القصير من عنف وكراهية ورغبة أعضاء الهيئة في الإيذاء تحتاج إلى معالجة أكبر من مجرد عقوبة إدارية. إن ما قاله السفير البريطاني من كلام جميل عن المملكة وأهلها؛ لم يصمد أمام لقطة عضو الهيئة وهو يقفز من أعلى السيارة ليضرب الرجل البريطاني. لن يبقى في ذاكرة الرجل الغربي البسيط سوى هذا المشهد المؤسف وسيقوم بربطه بمشاهد القتل التي تجري في سوريا والعراق وسيصل إلى نتيجة تقول إن الحالة ال"داعشية" تنتشر في عموم العالم الإسلامي. كان خطاب السفير البريطاني وثيقة إعلامية مهمة لدى العالم تؤكد الصورة الحقيقية للمملكة وشعبها الذي لا يرضيه التطرف ولا يقبل الإرهاب بأي شكل كان. تصريحٌ يغني عن مئات الأفلام؛ لكن ثوان قليلة ظهرت في اليوتيوب أفسدت كل شيء وأكدت أكاذيب الإعلام الغربي عنا, وأثبت أعضاء الهيئة بهذه الثواني أن الهدم أسرع من البناء, فرغم كل ما بذلناه كدولة ومجتمع لتحسين صورتنا ونفي تهمة الإرهاب والتطرف إلا أن حماقة موظف كانت كافية لتدمير كل ذلك. إن ما حدث من تجاوز سافر يمثل اعتداء على الوطن بأكمله؛ واعتداء على النهج الإنساني الذي يدعو إليه الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ويعمل على تحقيقه على مستوى العالم عبر مشاريعه الجبارة مثل مشروع حوار الأديان وغيره. وما رأيناه في حادثة البريطاني تثبت أن محاربة الإرهاب ﻻبد أن تبدأ من الداخل أوﻻً بمعالجة أسباب التطرف ومحاربة الإرهاب المستتر خلف "الاحتساب"؛ فما الذي جعل موظف الهيئة يعتدي على الرجل البريطاني لولا أنه أحادي النظرة لا يعترف بالآخر ولا يرى فضيلة غير التي تربى عليها. ومن المؤسف أن الإشادة التي أدلى بها السفير البريطاني خلال أكثر من عشر دقائق تم نسفها بلقطة لم تتعد الثواني العشر. لقطة سيحتاج الوطن إلى وقت طويل ليلغيها من أذهان العالم. لقطة تؤكد على أن تجميل صورتنا يبدأ من الداخل أولاً..