يسمعنا الأجداد والآباء والاخوة والمربون والتربويون ومجالس الرجال واهل النخوة قيمة الجميل وضرورة حفظه والتفاخر به وليس نكرانه وعدم ذكره والعودة بالفضل لصاحبه وكذلك عظم اجر المتفضل ودرجته في الجنة، ويرددون علينا من جعلناهم قدوة لنا في هذه الحياة وتتلمذنا على ايديهم وتحت انظارهم باستمرار العمل بالحكمة التي تقول: (ان الافلاك في حركاتها والارض في دورانها لا تترك رفيعاً في رفعته ولا وضيعاً في ضعته فاذا مكنتك الاقدار فطوق بالجميل اعناق الرجال) وهذا دون شك ضمان لدوام الفضل بين الناس وتبادل المعروف والاحسان بينهم بل والتسابق اليه حتى يكون سجية للمجتمع ويتحقق تبعاً له الخيرية التي شرف الله بها امة محمد عليه افضل الصلاة والسلام حتى قيام الساعة. ولعل من الاصل في الحديث عن الفضل والمعروف بين الناس ان نعيد ذلك الى سماحة ديننا الحنيف ونهج رسولنا الكريم وننهل من معين شرعنا المطهر ما يؤكد عظيم هذه السجية وقيمتها عندالله وعند الناس بل والاجر العظيم الذي ينتظر من وفقه الله لذلك وقد جاء في قوله تعالى: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة: 237 ، والاية نعتبرها تذكرة سماوية بعدم نسيان الفضل بين الناس وكذلك الحث عليه وما رواه عبدالله بن عمر رضى الله تعالى عنهما عن الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه انه قال: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه (وهذا يعني دوام الشكر للمتفضل لان جزاءه على الله ولا يمكن ان يصل الانسان الى مكافأة من بدأه بالمعروف لان المبادرة في اسداء المعروف تجعل الاعتراف بالفضل اكبر ويأخذ حق الاستمرارية في الثناء وتواصل الدعاء له واقتناص أي فرصة تسنح لمحاولة رد ولو جزء يسير من الفضل وان تواتر الفضل منه للأول، وطالما اننا نمتثل للنهج النبوي الشريف فلسنا بعيدين في مجال المعروف وشكره والاحسان لأهله وصانعيه والحاثين عليه عن قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب). رواه النعمان بن بشير رضى الله عنه. ومن حسن احساس المرء بفضل اصحاب الفضل على المجتمع واحساسه بما قدموا وتقديرهم عليه ان تكون لغة الشكر والثناء والذكر دائمة على لسانه لان ذكر الفضائل يجعل الايجابية تنتشر في مجتمعنا ويقدم اصحابها وتجعل لهم صدارة المجالس والكلمة فهذا ابسط حقوقهم على من يعرفهم او يسمع عنهم ولكم في هذا الموقف النبوي الشريف العبرة والعضة عندما دخل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه على مجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقف للصديق وأجلسه مكانه، فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام وقال) لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل) فكم هي حاجتنا في عصر الحاضر الى التأسي بهذه المعاني الرائعة والخلق الكريم وتطبيقه. ولان من البيان لسحرا فقد صدق الشاعر وهو يحث على اظهار المعروف واعلانه وشكر صاحبه لان في كتم المعروف دليل على عدم الشكر وهو ايضاً دليل فضل خلقي وحسن تقدير وسلامة تربية ونهج طاهر عندما يقول في فضل ذلك: علامة شكر المرء إعلان حمده فمن كتم المعروف منهم فما شكر وشاعر اخر ينشد في المعروف اذا هم به الانسان وان لم يفعله لان الحسنة تقع بالنية في موضعها الحسن وكذلك هو المعروف فان النية بالقيام به تعني ان فاعله مبادر ومستعد له حتى لو لم تأتِ الظروف على ما كان يريد ويقول الشاعر: لأشكرنك معروفا هممتَ به إن اهتمامك بالمعروف معروف و لا ألومك إن لم يُمضه قدرٌ فالشيء بالقدر المجلوب مصروف كل ما تقدم لا اظن ان هناك خلافا عليه ولكن كيف هو واقعنا مع المعروف واسداء الجميل دون منة او تفضل، واين نحن من التلذذ بذكر فضائل الرجال على المجتمع وعلينا وفي المجالس بل ومبادلة الحديث بالفضيلة والمباراة بها وملء وقت الفراغ في جلساتنا بذكر معاريف الرجال وفضائلهم ومواقفهم الايجابية والبدء بذكر من له فضل علينا والسؤال من الاخرين عن المساعدة في اعادة فعل المعروف تجاه من احسنوا الينا لان الافق احياناً يضيق بأسلوب رد الجميل وان كانت القدرة عليه متوفرة ولكن تنعدم الرؤية احياناً في الطريقة او الاسلوب الافضل، وثمة امر اراه في غاية الأهمية ان البعض لا يذكر معروف الاخرين وجميلهم وفضلهم على نفسه خوفاً من ان ينتقص اذا ذكرها وهو لا يعلم ان هذا مما يرفع شأنه ويكسبه خصلة الوفاء الذي يعد اجمل الخلق في ابن ادم وهو خلق وان كان موجودا ولله الحمد فان البحث عمن يتصف به اصبح متعبا ويحتاج الانسان وقتاً طويلاً من التجارب حتى يكسب صديقاً وفياً وفي مقام الاخ والصديق والقريب والعزوة والسند ويعتبر هذا الرجل ان وجوده بمثل رأس المال الثابت وهو بالفعل ما يحرص الانسان على ان يكون في حياته مثل هذه النماذج السامية من الاصدقاء، وان كنا لا نذكر ذلك حتى يقتصر فعل المعروف عليهم وانما فعل المعروف سجية اهل الايجابية في كل زمان ومكان وعليهم يقع الامل في تغيير الكثير من السلبيات الاجتماعية التي نراها في عصرنا ونتمنى ان نتناقل المعروف بيننا حتى يعم الفضل وتنتشر الفضيلة ونتسابق اليها ونفتخر بها ونبحث عنها. ختاماً. ان من اصبح يتلذذ بتقديم الفضل للناس وخدمتهم واسداء المعروف اليهم حتى اصبح هذا خلقه وطريقته فهو في خير لم ينعم به غيره وهي نعمة تستحق الشكر من المنعم الكريم صاحب الفضل والاحسان، كما ان هذا فضل الله يؤتيه من يشاء وهي منحة ربانية منحها الله عز وجل لمن اختار من عباده لان الله قد سخر الخلق للخلق بقدرته حتى تدوم الحياة كما يراها الخالق عز وجل والا لو اعتمد كل انسان على نفسه لتوقفت الحياة او تعثر مسارها ولكنها الحكمة الالهية بتدبير شؤون هذا الكون ومن يمشي على ارضه وتظلله سماؤه. فالدنيا جميلة بفعل المعرف وشكره والاعتراف به وتلمس مواطنه وعلينا جميعاً ان نستنسخ الفضائل ونطبقها حتى تصبح خلقنا واخلاقنا كما نحب ويحبه الله ورسوله.