نختم الحديث اليوم عن التلوث البيئي وذلك بالتطرق الى مكافحة التلوث والتي تعتمد اساساً على جهود الحكومات والعلماء والمؤسسات والمصانع والزراعة والمنظمات البيئية والجامعات والمدارس والأفراد. إذا نظرنا إلى النشاط الحكومي لوجدنا أن الحكومات القومية والمحلية في مختلف أرجاء العالم تعمل على التخلص من التلوث الذي يسبب الأذى والتلف لأرضنا بما فيها من يابسة وهواء ومياه. وبالإضافة إلى ذلك بذلت جهود دولية عديدة لحماية الموارد الأرضية. وقد سنت العديد من الحكومات المحلية الخطط للحد من التلوث الهوائي. وتشتمل مثل هذه الخطط على خطوات تحد من استخدام السيارات الخصوصية وتشجيع النقل الجماعي. وفي مقدور الحكومات سن القوانين الخاصة بعملية إعادة التدوير (إعادة التصنيع) وإعادة التدوير عملية تهدف إلى استرداد المواد وإعادة استخدامها بدلاً من التخلص منها. ففي فيينا بالنمسا مثلاً يتوجب على المواطنين أن يفرزوا نفاياهم في حاويات الزجاج خاصة بالورق والبلاستيك والمعادن وعلب الألمونيوم والزجاج الأبيض والزجاج الملون، ومخلفات الطعام والحرائق. وتشجع العديد من الولاياتالأمريكية وعدد من الدول الأوروبية على إعادة استخدام القوارير بغرض تأمين مسترد في حالة إعادة القارورة. كما سنت العديد من الدول تشريعاتها الخاصة بالتخلص من التلوث، كما أنها تنظم وسائل التخلص من المخلفات الصلبة والخطرة. ولدى العديد من الدول الصناعية ووكالات تملك سلطة مراقبة التلوث وفرص التشريعات. ومن الطرق الفعالة التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومات لمكافحة نوع معين من أنواع التلوث حظر الملوث. فمثلاً حذرت بعض الدول استخدام المبيد الحشري الخطر (دي. تي. تي) في كل الأغراض، عدا الأغراض الأساسية. وقد وجد المزارعون بدائل أقل ضرراً يمكن أن تحل محله. وقد تحظر حكومة ما بعض الاستخدامات لمادة معينة وتبيح بعضها الآخر. فالرصاص مثلاً معدن سام في مقدوره أن يسبب تلف الدماغ والكلى والأعضاء الأخرى. وقد حظرت الولاياتالمتحدةالأمريكية استخدام البنزول المرصص والدهانات المنزلية الرصاصية. ولكنها تسمح باستخدام الرصاص في البطاريات ومواد البناء والدهانات الصناعية. وعلى الرغم من الاستخدام المستمر للرصاص في بعض المنتجات إلا أن القيود على هذا المعدن في الدهانات والوقود قد حدّت المشاكل الصحية التي يسببها. ومن الاستراتيجيات الحكومية التي يمكن أن تساعد في مكافحة التلوث، فرض الغرامات على الشركات المسببة للتلوث. ففي استراليا وعدد من الدول الأوروبية تفرض الغرامات على المؤسسات التي تلوث مجاري المياه. ومثل هذه الغرامات كفيلة بتشجيع الشركات على الاستثمار في أجهزة مكافحة التلوث أو في تطوير وسائل تشغيل قليلة التلوث. وفي إمكان الحكومات أن تفرض الضرائب على المنتجات الملوثة. فمثلاً تفرض معظم الدول الاسكندنافية الضرائب على القوارير غير المسترجعة، وتقضي بعض الأنظمة الحكومية ببساطة أن على المؤسسات أن تعلم الجمهور بعدد من الملوثات التي تلقي بها إلى البيئة. وقد دفعت هذه الأنظمة بعض الشركات إلى البحث عن طرق تحد بها من التلوث، من أجل الحيلولة دون تكوين المستهلكين لانطباع سيىء عنهم والانصراف عن شراء منتجاتهم. انه يصعب التحكم في العديد من أنواع التلوث، ويرجع السبب في ذلك إلى أن ملكية الموارد العالمية أي المحيطات والغلاف الجوي ليست فردية، ولا تخص أمة بعينها، ولا بد لسكان العالم والحالة هذه من أن تتضافر جهودهم من أجل مكافحة التلوث. لقد دأب ممثلون عن الكثير من الدول على الاجتماع منذ السبعينيات لمناقشة الطرق الكفيلة بالحد من التلوث الذي يؤثر في ماء وهواء وتربة كوكب الأرض. وعقدت هذه الدول المعاهدات والمواثيق التي تساعد في مكافحة مشاكل المطر الحمضي ونقص طبقة الأوزون وإلقاء المخلفات في المحيطات. ففي الاتفاقية التي أطلق عليها اسم (بروتوكول منتريال) حول المواد التي تستنزف طبقة الأوزون والتي عقدت في عام 1989م، انفقت الدول المنتجة للكلور وفلوروكربونات على إيقاف إنتاجها لهذه الكيمائيات تدريجياً. ونص تعديل لهذه الاتفاقية أجري في سنة 1991م على حظر الكلوروفلور وكربونات حظراً تاماً. بحلول عام 2000م، وفي عام 1992م وافقت العديد من الدول الأوروبية على وقف إنتاجها من الكلورفلوروكربونات قبل ذلك التاريخ أي بحلول 1996 وفي عام 1992 أيضاً اجتمع ممثلون عن 178 دولة في ريودي جانيرو لحضور مؤتمر الأممالمتحدة حول البيئة والتنمية. وقد كان هذا المؤتمر الذي عرف بقمة الأرض، أهم مؤتمر عالمي انعقد حول البيئة، حيث وقع أعضاء الأممالمتحدة على اتفاقيات لمنع تأثير البيت المحمي والحفاظ على الغابات والكائنات المهددة بالانقراض ومواضيع أخرى. الجهود العلمية لمكافحة التلوث لقد دفع الاهتمام الواسع بالبيئة العلماء والمهندسين والصيادلة إلى البحث عن الحلول التقنية لهذه المسألة. فبعض الابحاث تحاول إيجاد طرق للتخلص من التلوث أو تدبيره، وبعضها الآخر يهدف إلى منعه. ويعمل العديد من الباحثين الصناعيين على إيجاد المزيد من الطرق الاقتصادية لاستخدام الوقود والمواد الأخرى. ونتيجة لهذه الأبحاث تستخدم بعض المدن الأوروبية حالياً حرارة المخلفات الناتجة من محطات القدرة ومحارق النفايات في تدفئة المنازل. وتحرق المحركات الحديثة الوقود بطريقة ألطف واكثر فعالية من المركبات القديمة. كما طور بعض الباحثين سيارات تستخدم وقوداً نظيف الاشتعال مثل الميثانول وهو المعروف بالكحول الميثيلي، والغاز الطبيعي، وتستخدم بعض السيارات في البرازيل نوعاً آخر من الكحولات وهو الأيثانول المعروف بالكحول الإيثيلي وقوداً. ويعكف العلماء كذلك على تطوير سيارات تعمل بغاز الهيدروجين، وهو غاز لا يصدر أي تلوث إذا ما اشتعل. ويبحث العلماء في طرق لتوليد الطاقة الكهربائية بتكلفة أقل من الموارد المتجددة مثل الرياح والشمس، والتي قلما تنتج عنها أي تلوث. وتزود حقول واسعة من طواحين الهواء تسمى (مزارع الريح) العديد من الأقطار بالكهرباء، حيث تحول نبائط تسمى (الخلايا الفولتية الضوئية) أشعة الشمس مباشرة إلى الكهرباء. ففي مدينة ساكرامنتو بكالفورنيا في الولاياتالمتحدةالأمريكية تنتج محطة قدرة فولتية ضوئية تكفي لإنارة ألف منزل. المؤسسات والمصانع اكتشفت العديد من الشركات أن الحد من التلوث أمر مطلوب من المنظور التجاري. فقد وجد بعضها أن الحد من التلوث يحسن صورتها لدى الجماهير كما انه يوفر المال. وطور آخرون منتجات أو وسائل لا تشكل خطورة على البيئة، وذلك سعياً لكسب رضى المستهلكين، كما طور البعض الآخر أنظمة لمكافحة التلوث لاعتقادها بأن القوانين سترغمهم على فعل ذلك، آجلاً أو عاجلاً. وتحد بعض الشركات من التلوث لأن القائمين على هذه الشركات أثروا أن يفعلوا ذلك. الزراعة يطور العلماء والمزارعون طرقاً لتنمية الغذاء تتطلب القليل من الأسمدة والمبيدات. ويستخدم الكثير من المزارعين الدورات الزراعية أي المناوبة بين المحاصيل الكيميائية، فالمناوبة بين الذرة والقمح والمحاصيل الأخرى والبقول كالبرسيم وفول الصويا تساعد في تعويض النيتروجين المفقود من التربة. وتساعد الدورات الزراعية أيضاً في مكافحة الآفات والأمراض الزراعية. ويستخدم بعض المزارعين خليط التسميد والأسمدة الأخرى التي لا تضر التربة، وبدلاً من رش المحاصيل بالمبيدات الضارة يكافح بعض المزارعين الحشرات بإطلاق أنواع من البكتريا أو الحشرات الأخرى التي تفترس هذه الآفات. ويعكف العلماء على تطوير نباتات مهندسة وراثياً، تقاوم الآفات الزراعية. المنظمات البيئية تساعد في مكافحة التلوث عن طريق محاولة التأثير على المشرعين وانتخاب القادة السياسيين الذين يولون اهتماماً بالبيئة. وتقوم بعض الجماعات بجمع الأموال لشراء الأراضي وحمايتها من الاستغلال. وتدرس جماعات أخرى تأثيرات التلوث على البيئة، وتطور نظماً لإدارة ومنع التلوث، وتستخدم ما توصلت إليه من نتائج لإقناع الحكومات والصناعات بالعمل على منع التلوث أو الحد منه. وتقوم المنظمات البيئية كذلك بنشر المجلات والمواد الأخرى لإقناع الناس بضرورة منع التلوث وتقف جماعة السلام الأخضر واصدقاء الأرض في طليعة هؤلاء الناشطين. جهود الأفراد في مكافحة التلوث كثير من الناس يجهلون الأمراض التي تسببها ملوثات البيئة فقد يعيش البعض بين النفايات المتواجدة في كل مكان وحيث أن توعية الناس بأضرار التلوث البيئي هو أول شيء يجب أخذه في الحسبان، فيجب توعية الأطفال في المدارس كيف يحافظون على بيئتهم نظيفة وعدم رمي المخلفات في الشوارع وفي المتنزهات وفي ساحات المدرسة وفي السيارة وفي المنزل فكم من مرة رأيت الأب والأم وهما في سيارتهما يفتحون نافذة السيارة وهم في طريقهم إلى السوق أو المدرسة أو أي مكان آخر ويرمون أكياس زبالة في الطريق وكذلك علب البيبسي وقوارير ماء الصحة ومناديل الكلينكس بعد فراغها ومعهم أولادهم الذين يشاهدون هذا المنظر، ولذلك ينشأ الطفل مقلداً لوالديه يقوم برمي المخلفات كما شاهد والديه يرمونها. كما شاهدت في المتنزهات والحدائق العامة مناظر يشمئز لها القلب حيث يقومون برمي كل المخلفات بعد لانتهاء من تنزههم ما بين رز ولحم وعصير وأكياس بلاستيك وخلاف ذلك على عشب الحديقة مع العلم أن حاويات الزبالة لا تبعد عنهم أكثر من 5 أمتار. كما يجب عمل برامج في التلفزيون وفي الإذاعة ومحاضرات في الجامعات والمدارس عن تلوث البيئة وضررها الخطير على صحة الإنسان. كما يجب أن يكون هناك توعية عن ترشيد الطاقة حيث أن حفظ الطاقة يحد من التلوث الهوائي الناجم عم محطات الطاقة. وقد تؤدي قلة الطلب على الزيت والفحم الحجري إلى التقليل من انسكاب الزيت ومن التلف والحاصل للمناطق المشتملة على الفحم الجري. وكذلك التقليل من قيادة السيارات يعد كذلك أحد أفضل توفير الطاقة وتجنب التلوث الحاصل للهواء. يجب على المسؤولين عن النظافة أن يرحّلوا كل المخلفات والنفايات التي توجد في كل ركن من أركان كل مدينة حيث أصبحت مأوى للكلاب والقطط والفئران والجرذان والحيات والعقارب واصبحت خطراً يهدد الأحياء التي تطل عليها. المصادر: 1) أ. د. محمد حسان عوض، أ. د. حسن أحمد شحاتة: التلوث البيئي خطر يهدد الحياة. الطبعة الأولى: مكتبة الدار العربية للكتاب، 2012م. 2) فهمي حسن أمين: تلوث الهواء: مصادره وأخطاره: دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، 1985م. 3) د. حسن شحاتة: تلوث الهواء، القاتل الصامت، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة، 2003م.