شاركت المملكة العربية السعودية وللمرة الثانية في الاحتفال باليوم العالمي للتراث، الذي يوافق 18 أبريل من كل عام، وهو اليوم الذي تحتفل به منظمة اليونسكو وكثير من دول العالم منذ عام 1983م بهدف زيادة الوعي بتنوع التراث الدولي والجهود المطلوبة لحمايته والحفاظ عليه. حيث تقام في هذا اليوم الفعاليات والاحتفالات والمهرجانات والأنشطة المتنوعة التي تبرز التراث والثقافة المحلية بكافة جوانبها تأكيدا على القيم التراثية العريقة، بل ان بعض الدول تمتد الاحتفالات بها الى اسبوع كامل، وتأتي الاحتفالات في إطار المحافظة والتواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، وربط المواطنين وخصوصا الشباب بتاريخهم وثقافتهم وتراث بلادهم الأصيل وإبراز الهوية الوطنية والحفاظ على تاريخ ومكتسبات الاباء والأجداد. واستكمالا لنجاح فعالية احتفال المملكة العربية السعودية الاول بيوم التراث العالمي لعام 2013م الذي نظمته جامعة دار العلوم بمشاركة الهيئة العامة للسياحة والآثار، تأتي الفعالية الثانية هذا العام تحت شعار "التراث وعاء الحضارة وبعد الهوية" التي اطلقها صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز، أمير منطقة حائل، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، الأربعاء 16 أبريل 2014 بجامعة حائل بمشاركة واسعة من المجتمع المحلي، وحضور عدد من العلماء والخبراء والباحثين والمهتمين بقضايا التراث الحضاري بمكوناته المختلفة. وفي المملكة نحتفل وبكل اعتزاز بهذا اليوم العالمي، كيف لا ونحن في بلد به أقدس معلمين على بقاع الارض، ويمتلك الكم الهائل من الاثار والتراث على مستوى الجزيرة العربية، وفيه من العادات والتقاليد التراثية والتاريخية الكثير التي نفتخر بها وتحاكي تاريخنا وثقافتنا الاسلامية على مر العصور، وبذلك نستطيع تنظيم أميز المهرجانات واقامة افضل المتاحف والمراكز للتعريف بالمواقع والمكتشفات الأثرية ومعالم التراث العمراني والحرف والصناعات التقليدية المختلفة التي تعكس البعد الحضاري وتتميز بها بلادنا. ولا شك في أن عرض وفهم الإرث الثقافي والعمراني الوطني وتحويله إلى مواقع معاشة هو السبيل الأمثل نحو المحافظة عليها وعلى هويتنا الوطنية. خصوصا ونحن نعيش اليوم في عالم تعج به العولمة، والحياة فيه اصبحت أكثر تسارعاً، لذا أصبح من الضروري ألا نبتعد عن جذورنا، وأن نستفيد من إرثنا الثقافي العريق لبناء مستقبل مشرق. إن مثل هذه الفعاليات تساهم في زيادة وعي المواطن بتراثه، وخصوصا وقد ثبت من دراسة علمية أجريتها حديثا أن قلة الوعي يعد من أبرز خمسة عوامل أدت إلى تدهور التراث العمراني في المملكة حيث توصلت الدراسة إلى تحديد عوامل تدهور التراث العمراني ب 27 عاملا، وتم تصنيفها وفقا لخطورتها، ومع تشخيص العوامل وتحديد أكثرها تأثيرا يسهل معالجتها من خلال آلية تنفيذية تعالج كل عامل. ويأتي يوم التراث العالمي كأحد الآليات التنفيذية التي تساهم في معالجة قلة وعي المجتمع بأهمية تراثه. ويحظى التراث الثقافي في المملكة باهتمام كبير على جميع المستويات بدءاً من سيدي خادم الحرمين الشريفين الذي أولى هذا الجانب جزءا من اهتمامه، فهو من اسس مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة، وأصبح هذا المهرجان حدثا لافتا على مستوى العالم وتظاهرة ثقافية تؤكد مكانة المملكة عالميا في الجانب الثقافي والفكري. حيث أصبحت الجنادرية، تلك القرية التي قامت وسط الصحراء تعكس ثقافة الوطن وتنوع تراثه العمراني، كما يؤكد المهرجان الذي حمل اسمه من صحراء الجنادرية الرملية واقع البلاد قبل وبعد التوحيد، ويرسم صورة لأصالة الوطن وتراثه ورحلة كفاح الآباء والأجداد، وتجسد فعالياته المختلفة والمتنوعة واقع المسيرة التراثية والثقافية للوطن. كما يؤكد اهتمام الدولة بالتراث صدور عدد من القرارات أبرزها قرار مجلس الوزراء الموقر بالموافقة على مشروع الملك عبدالله للعناية بالتراث الحضاري، هذا المشروع الكبير الذي يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين سيحدث بمشيئة الله نقلة نوعية في مجال الآثار والمتاحف والتراث العمراني والحرف والصناعات التقليدية سواء من حيث المحافظة أو التنمية والتطوير. ولا شك أن الدولة ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والاثار وتعاون الجهات الحكومية ذات العلاقة وخصوصا البلديات والقطاع الخاص والمجتمع المحلي وخلال السنوات القليلة الماضية قطعت شوطا كبيرا نحو العناية بمواقع الاثار والتراث العمراني وابرازها للعالمية، من خلال المعارض الدولية وتسجيل مواقع اثرية وتراثية في قائمة التراث العالمي باليونسكو حيث سجلت موقع الحجر بمدائن صالح، وحي الطريف بالدرعية في قائمة التراث العالمي وجار العمل على تسجيل جدة التاريخية. والهيئة تعمل في عدد من المسارات، تشمل التوعية والتعريف بالتراث، ومشروعات المحافظة والتأهيل لمواقع التراث العمراني، واستثمارها سياحياً واقتصادياً بما يدعم الناتج المحلي والتنمية المتوازنة في مناطق المملكة المختلفة لتكون محطات مهمة وأمكنة جاذبة يعيش فيها المواطن تاريخ بلاده ويتعرف على حضارتها وتكوينها وملحمة تأسيسها. ويجري العمل على انشاء عدد من المتاحف الاقليمية وتأهيل قصور وقلاع تاريخية وتحويلها إلى مراكز حضارية، بالاضافة إلى تأهيل وتطوير عدد من القرى التراثية وأواسط المدن التاريخية والأسواق الشعبية وتنميتها اقتصاديا وعمرانيا وثقافيا بأسلوب مستديم يحافظ على تراثها، ويجعلها مورداً اقتصادياً، ووعاء لنشاطات الحرف اليدوية والفعاليات التراثية، وإيجاد فرص عمل جديدة لفئات المجتمع المحلي. ومن خلال معايشتي ومشاركتي في تنظيم فعاليات الاحتفال بيوم التراث العالمي الذي نظمته جامعة حائل والهيئة العامة للسياحة والآثار يومي الاربعاء الخميس 16-17 أبريل 2014م، لاحظت التفاعل الكبير لاساتذة وشباب الجامعة والخبراء والمجتمع المحلي مع فعاليات الاحتفال التي شملت مشاركة عدد من الجهات في المعرض المصاحب المتضمن نماذج من المشاريع التراثية والصور والمخططات التاريخية التي تبرز التاريخ العريق لمنطقة حائل وتوثق معالمها العمرانية، واشتملت الفعالية على ورش علمية شارك فيها خبراء محليون وعالميون، وزيارة نماذج من المواقع التراثية والاثرية حيت نظمت زيارات ميدانية لكل من مبنى القشلة التاريخي المميز الواقع في وسط مدينة حائل والذي يعد من ابرز المعالم العمرانية على المستوى الوطني وموقعه يشجع على استثماره ثقافيا واقتصاديا، وزيارة إلى موقع فيد الاثري. ومما كان له أكبر الأثر في حفل افتتاح الفعالية هو تكريم شخصية العام، حيث تم اختيار صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل لتكريمه لما قدمه من أعمال وجهود مميزة في مجال التراث، والحقيقة أن كل من تابع الفيلم الذي عرض عن سموه وتصريحاته وتوجيهاته واهتمامه بتنمية منطقة حائل والمحافظة على تراثها وتنميته شعر بالاعتزاز والدعاء بالتوفيق لسموه الكريم. هذا بالاضافة إلى كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار وما تضمنته من إبراز لأهمية التراث والآثار والتوجهات والرؤى المستقبلية التي تسير عليها الهيئة بمشاركة الشركاء نحو المحافظة على المواقع التراثية وجعلها مناطق معاشة تربط المواطن بوطنه وتساهم في إيجاد فرص عمل للمجتمع المحلي. ختاما أذكر قبل عدة سنوات أن طرحت اقتراحا يؤكد على أهمية مواكبة العالم بالاحتفال باليوم العالمي للتراث لإبراز حضارتنا وتراثنا للعالم، واقترحت على القائمين على تنظيم مهرجان الجنادرية وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان بأن يكون موعد افتتاح المهرجان في يوم 18 ابريل من كل عام مواكبة مع يوم التراث العالمي للتراث، واليوم ولله الحمد تشهد المملكة عدة مهرجانات وملتقيات سنوية على المستوى الوطني فبالاضافة إلى مهرجان الجنادرية هناك ملتقى التراث العمراني الوطني الذي ينظم في موسمه الرابع مع نهاية هذه السنة في مدينة أبها بمنطقة عسير، ومهرجان سوق عكاظ، ومهرجان جدة التاريخية، وفعالية يوم التراث العالمي الذي تشارك الجامعات السعودية في تنظيمه بدءا من جامعة دار العلوم وحاليا في جامعة حائل، ومبادرة جامعة تبوك لتنظيمه للسنة القادمة. وهذا يدل على تنامي اهتمام المملكة بتراثها والوصول به إلى العالمية.