"سورات وميرونك" يتصدّران افتتاح بطولة السعودية الدولية 2025 للجولف    xAi: سيتم دمج "غروك" في نظام هيوماين وان التابع لشركة هيوماين السعودية    منتدى مسك العالمي منصة جيل التحولات الكبرى    من تشجع في مباراة الفضاء؟    احتكار الجو    وزير الرياضة: رؤية 2030 أحدثت تحولًا جذريًا ورفعت عدد الاتحادات إلى 97 اتحادًا    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    عبء العلاقات الاجتماعية ثقل يتزايد بصمت    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في منطقة الحدود الشمالية    «العوالي» توقّع اتفاقية مع «سدكو» لإنشاء صندوق عقاري بمليار ريال    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة بريطانيا لدى المملكة بمناسبة اليوم الوطني    المملكة توزّع 489 سلة غذائية في مدينة بلخمري بأفغانستان    انطلاق مناورات تمرين «ميدوزا 14» في مصر بمشاركة القوات السعودية    الاجتماع العاشر لمكتبة الملك عبدالعزيز في بكين يعزّز التعاون الثقافي السعودي - الصيني    سماحة الإسلام    نسخة طبق الأصل    ماذا يعني إعلان السعودية حليفا رئيسيا خارج الناتو    مدينة الفاشر تسقط في الصمت الدولي ومعاناة بلا مفر    "يايسله": لدينا وقت محدود للتحضير والقادسية فريق منظم    ولي العهد والرئيس الأميركي يشاركان في منتدى الاستثمار الأميركي السعودي    الشرقية تفعل مسارها الثقافي.. تعاون لإحياء 12 موقعاً تراثياً بارزاً    بيان سعودي - أميركي: بناء وتطوير بنى تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي    عبدالعزيز بن سعود يلتقي أمير منطقة الحدود الشمالية    أمير القصيم يكرّم النودلي لتحقيق مستشفى عيون الجواء «صداقة كبار السن»    أسهم أوروبا تستقر مع ترقب نتائج إنفيديا    برشلونة يستضيف مباراته المقبلة في دوري أبطال أوروبا على ملعب كامب نو    القيادة تهنئ أمير موناكو بذكرى اليوم الوطني لبلاده    15 جهة تشارك في فعالية "بنكرياس .. حنا نوعي الناس"    المنتدى السعودي للإعلام يوقّع اتفاقية مع وكالة أسوشيتد برس لتعزيز التعاون الدولي الإعلامي    يستعين بكرسي متحرك لسرقة متجر    قوة دولية و«مجلس سلام» وتمهيد لمسار دولة فلسطينية.. مجلس الأمن يقر الخطة الأمريكية بشأن غزة    ترمب: بداية لسلام أوسع في العالم    تطويره بتقنيات الذكاء الاصطناعي .. مصيباح: تطبيق «توكلنا» يصل ل1100 خدمة بكفاءة عالية    ب 100 مباراة.. الدوسري يحفر اسمه في تاريخ الكرة السعودية    الملحق الثقافي السعودي في أمريكا: 14,037 مبتعثاً يعززون الاستثمار في رأس المال البشري    أخضر التايكوندو يتألق في دولية قطر    انطلاق مؤتمر Connected World KSA.. المفدى: السعودية تدعم الابتكار في التقنيات المتقدمة    أكد أن الشراكات المقبلة ستكون أكبر.. ترمب: محمد بن سلمان صديق مقرب ويقوم بعمل رائع    «معاقبة بالتمارين» تقتل طالبة هندية    الترجمة في السياق الديني بين مصطلحات الشرع والفلسفة    نحو تفعيل منصة صوت المواطن    جلوي بن عبدالعزيز يشيد بجهود تحقيق الأمن المائي    «الكشافة» تعزز أهدافها التربوية والمجتمعية في أبوظبي    نظرية داروين وعلاقتها بأزلية العالم    الزميل آل هطلاء عضواً بمجلس إدارة جمعية سفراء التراث    لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تعقدُ لقاءً عاماً مع اللجان العاملة في الميدان ومنظِّمي البطولات    أدوية معروفة تحارب ألزهايمر    استخراج حصوة تزن كلغ من رجل    نستله تضيف السكر للسيريلاك    نائب أمير الرياض يطلق مشروعي تطوير أدلة الإجراءات وجدول الصلاحيات ضمن الخطة الإستراتيجية للإمارة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج 372 متدربًا من برامج البورد السعودي والدبلومات الصحية    نائب أمير القصيم يطّلع على أبرز الجهود الميدانية والتوعوية لهيئة الأمر بالمعروف في موسم الحج العام الماضي    أمير تبوك يستقبل سفير جمهورية بولندا لدى المملكة    حسن الظن بالله أساس الطمأنينة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم سحر    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. هيئة التخصصات الصحية تحتفي بتخريج (12.591) خريجًا وخريجة في ديسمبر المقبل    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين بيت الحكمة والوثيقة القادرية
منطق الغيم
نشر في الرياض يوم 01 - 03 - 2014

كانوا يدرسوننا في التاريخ أنه حينما أهدى الخليفة هارون الرشيد ساعة إلى شارلمان ملك الإفرنجة، فإن الملك في أوروبا المظلمة آنذاك خاف منها وظن أن بداخلها جناً.
لكن هذه الحادثة كنا ندرسها في حالة انقطاع مع خلفيتها التاريخية والفكرية فتلك الساعة لم تنزل على الرشيد من السماء، بل كان خلفها العقل المبدع الذي طوع مادة العالم لخدمة الإنسان أو مانسميه اليوم (التقنية)، في مرحلة ذهبية خاطفة من تاريخنا.... مرحلة بيت الحكمة، الذي كان أول جامعة عرفها التاريخ، من حيث كونه مؤسسة علمية مستقلة عن السلطة السياسية والدينية، وقفاً علمياً أوقفت ساحاته وغرفاته لخدمة الفكر وجلال العلم، فطابقه الأول احتلته مكتبة عظيمة، تحوي في قسم كبير منها الكتب والمخطوطات التي جلبها المسلمون أثناء الفتوحات من بيزنطة وهرقلة.
تلك الكتب لم تجلب وحيدة، بل أحضر برفقتها مفاتيحها من مترجمين ومؤولين وعلماء من جميع أصقاع العالم من فرس وروم وسريان وهنود، وكان الحراك العلمي والفكري في أوجّه مستثمراً التراث الإغريقي والروماني البيزنطي متوهجاً نشطاً شغوفاً بالمعرفة أياً كان مصدرها وبالحكمة أياً كان منبعها بدون أسقف أو موانع فالقوي لايخاف أو يُهدد، تحت سقف امبراطورية تفرد أجنحتها مابين المشرق والمغرب، بينما الرشيد يقرأ أسرار غيومها مخمناً فوق أي من أراضي دولته ستهطل. .
واستمر ذلك المشهد ليصنع الحلم الذهبي الذي نردده الآن ببؤس وانكسار عندما كان المأمون يعطي المترجم وزن كتابه ذهباً، حيث نشطت في هذه الأجواء العلمية والثرية الكشوفات الفكرية والتقنية والفلسفية وتبرعمت نبتة صغيرة للفلسفة على يد الفيلسوف العربي الكندي الذي كان يقدم الفلسفة للفضاء الفكري الإسلامي عبر مقولته الشهيرة (الفلسفة هي علم الحق الأول الذي هو علة كل حق)، وبرزت فرقة المعتزلة العقلانية (العقل في تأسيس عقائد المعتزلة مقدم على النقل الببغائي) وقالوا بأنّ العقل والفطرة السليمة قادران على تمييز الحلال من الحرام بشكل تلقائي حيث أصبح المذهب المعتزلي هو مذهب الدولة آنذاك، وكان هناك إخوان الصفا بالبصرة الذين اتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة، وعلى الرغم من فتنة خلق القرآن كانت بغداد وقتها قبلة العلماء ومريدي العلم والفلسفة والديانات من مسيحين ويهود وصابئة، وكانت تشتعل فيها القضايا العلمية والفلسفية، والمطارحات الفكرية، والشغف بالمعرفة والاكتشاف، التي لو قدر لها الاستمرار لكان حال العرب والمسلمين مختلفاً تماماً عن مانحن عليه اليوم.
ولكن يبدو أن هذا كان حلماً خاطفاً في تاريخنا كما حكى عن خيال الطيف وسنان، وبيت الحكمة كتلك المدن الأسطورية التي تخرج مرة كل ألف عام لليلة واحدة ومن ثم تتلاشى لتلتهما رمال صحراء الجزيرة.
فمع وهن الدولة المركزية في بغداد، خفتت الحياة العلمية المزدهرة، وحل بدلاً منها فكر ظلامي متعصب إقصائي، ومحاكم تفتيش تقوم على الشعوبية وتصفية الآخر، وقمعت العلوم، وأخمدت الفلسفة ومزية النظر والتفكر العقلي (التجريبي الشاك) تحت السقف الفقهي بأجوبته الجازمة القطعية، وتأججت الفتن آنذاك بين الطوائف والمذاهب في عداوات مابرحت قائمة إلى يومنا هذا بشكل يخدم تناحر التيارات السياسية، واحتدم الصراع الشديد بين السنة والشيعة في بغداد، وتقلصت سلطة الخليفة العباسي بحيث بات رمزاً دينياً فقط بلا حول أو قوة، واستحوذ الفرس من بني بويه على الحكم.
وظهر خلال هذه الأجواء المتوترة العنيفة في زمن الخليفة العباسي القادر بالله تقريباً عام 402 (الوثيقة القادرية) وهي الوثيقة التي أغمدت الخنجر الأخير في قلب الحركة الفلسفية والعلمية، وكانت بمثابة محاكم التفتيش المتطرفة حيث تم تكفير جميع الفرق والتنكيل بهم واستتابتهم فإن رفضوا تتم تصفيتهم، ومن خالف محتوى الوثيقة فسق وكفر وأدرج تحت مسمى أهل البدع والزندقة، وهيمن الإرهاب الديني والعنف العقائدي والعجز عن إشهار الأسئلة أمام سلطة الاستبداد مع الخنوع لسلطة التخريج الفقهي للنصوص وتفتت بيت الحكمة وتهاوى.
ودخل العالم العربي والإسلامي من وقتها في أزمنة التخلف والانحطاط وهيمنة فكر الخرافة، ولم تقم لهم قائمة إلى الآن وظل العلم والعقل والحياة الفكرية الفلسفية سجينة قضبان الوثيقة القادرية إلى يومنا هذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.