يُمكن تعريف أمن الخليج على أنه أمن إقليمي، أي مرتبطاً ومتضمناً تفاعلات الدول المشاطئة له، على المستويات الوطنية، وفيما بينها. بيد أن هذا التوصيف يبقى توصيفاً دراسياً بالدرجة الأولى، إذ إن أمن الخليج أصبح أمناً دولياً بفعل الطاقة النفطية، والممرات البحرية التي تتحكم بعقد التجارة العالمية. وبين بُعده الإقليمي (المحلي الخليجي) وبُعده الدولي، ثمة دائرة في المنتصف، يُمثلها إقليم المحيط الهندي، يرتبط بها أمن الخليج على صعيد التداخل الجغرافي، والموروث التاريخي، والتبادل التجاري، والطاقة النفطية، وقضايا التسلّح. الجغرافيا قد لعبت ولا تزال دوراً محورياً في تشكيل بيئة الأمن الإقليمي في الخليج، وهي تمثل عنصراً مهماً في الدراسات البنيوية لهذا الأمن. ونحن، كخبراء وباحثين، مدعوون لإعطاء هذه الدراسات مزيداً من العناية والاهتمام. مبدئياً، يشير مفهوم الأمن البنيوي إلى مقاربة الأمن استناداً إلى مقوماته المادية الكلية، معطوفة على الخيارات الأيديولوجية والسياسية، الموجهة لهذه المقومات، أو المحددة لطريقة استخدامها. والأمن البنيوي ليس نظاماً للأمن، إلا أن صفاته وخصائصه تؤثر بالضرورة في شكل النظام الأمني الذي يتم اعتماده. ومن بين قضايا عدة، تبرز محددات الجغرافيا الطبيعية كعنصر أساس في مقاربة الأمن البنيوي. وبالنسبة للخليج العربي، لعبت الجغرافيا دوراً كبيراً في تحديد مسار أمنه الإقليمي، بل ربما أمكن النظر إلى هذا الدور باعتباره الأكثر بروزاً في منظومة العوامل البنيوية، المحددة والموجهة لمسار التفاعلات داخل الإقليم، باتجاهاتها الصراعية والتعاونية معاً. ومن هنا، بدا من الراجح البحث في السياق الجغرافي لأمن الخليج. بادئ ذي بدء، يُمكن الإشارة إلى أن النظام الإقليمي الخليجي هو نظام فرعي عن النظام الإقليمي العربي، والنظام الشرق أوسطي. ويعود تشّكل هذا النظام، بالمعنى النظامي للمصطلح، إلى مطلع العقد السابع من القرن العشرين، حين غدت كافة وحداته دولاً مستقلة. وبطبيعة الحال، يصعب تتبع تطور النظام الإقليمي الخليجي بمعزل عن تفاعلات النظام الإقليمي العربي، الذي أثر بعمق في نشأته التاريخية ومساره اللاحق. وعلى الرغم من ذلك، فإن النظام الإقليمي الخليجي لا يحمل كافة السمات الهيكلية للنظام الإقليمي العربي، وهو لا يُمثل صورة مصغرة له. وهناك ثماني دول تشاطئ الخليج العربي، هي أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والعرق وإيران. بيد أن تقسيم الخليج ظل ينحو، بشكل تقليدي، إلى كونه تقسيماً ثلاثياً، بين الشمال حيث العراق، والشرق حيث إيران، والغرب حيث الأقطار الستة المشكلة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وحيث يشار إلى هذه الأقطار أيضاً بدول الداخل الخليجي. ويقع الخليج في الجنوب الغربي من القارة الآسيوية، ويمتد من مخرج شط العرب في شماله الشرقي إلى مضيق هرمز، الذي يعتبر القناة التي تصله بالعالم. وتبلغ مساحة الخليج 92500 ميل مربع، بمياه يبلغ حجمها 2000 ميل مكعب، وبعرض يصل إلى 210 أميال، وطول يبلغ 615 ميلاً. وهو ما يعادل 69% من إجمالي مساحة الوطن العربي، قبل انفصال جنوب السودان عن شماله. وتكاد سواحل الخليج تنقسم إلى قسمين، القسم الشرقي الذي تقع عليه إيران، والقسم الغربي الذي تتقاسمه أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست والعراق، حيث تعتبر إيران الدولة الوحيدة المطلة على سواحله الشرقية التي يبلغ طولها 1972 كلم، في حين يقع العراق في الشمال منه، ويبلغ طول سواحله 58 كلم، وتقع الكويت على سواحله الشمالية الغربية التي يبلغ طولها 499 كلم، بينما تتقاسم المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة سواحله الأخرى. وهذا التوزيع للشواطئ والأذرع البحرية بين الدول الثماني أسس لاحقاً لنزاعات، وحالة من التقاطب الإقليمي الحاد، التي أثرت بعمق في مسارات الأمن في الخليج، وكان احد نتاجاتها حرب الخليج الثانية عام 1990 -1991. أو لنقل وجدت هذه الحرب فيها إحدى خلفياتها. من جهة أخرى، يحتوي الخليج على العديد من الجزر التي تكونت إما نتيجة للإرساب النهري، كجزيرتي وربة وبوبيان، أو نتاجاً لإرساب التيارات البحرية التي تمر بموازاة السواحل، كحالة الجزر الموجودة في المنطقة الممتدة بين دبي ورأس الخيمة. كذلك، تكوّن بعض هذه الجزر نتيجة انفصالها عن الساحل، مثل جزر قشم وهرمز ولاراك وهنجام، التي كانت قمماً لبعض سلاسل زاجروس الجبلية، والتي هبطت تحت الماء بفعل تحركات القشرة الأرضية. ونتجت بعض الجزر أيضاً عن طبيعة حركة الكرة الأرضية ذاتها. ويختلف مناخ هذه الجزر، ومن ثم مدى صلاحيتها للسكن، ومعظمها قاحلة وغير مسكونة في الوقت الراهن، كما يستخدم بعضها كموانئ ومحطات للتزود بالوقود، مثل جزيرتي قشم وهنجام. وفيما هو أبعد من معضلة شواطئه، بدت جزر الخليج أكثر تأثيراً في تفاعلات الأمن الإقليمي. وهذا التأثير لم ينجم عن مورثات التاريخ وحسب، بل كذلك عن معطيات الحاضر، ولعل هذا هو الأهم، حيث تلعب جزر الخليج اليوم دوراً متعاظماً في استراتيجيات الدفاع. على صعيد مضيق هرمز، وموقعه في معادلة أمن الخليج، يعتبر هذا المضيق المنفذ الحصري للخليج العربي، ولأربع من دوله الثماني، وذلك إذا ما استثنينا إيران والسعودية، وكذلك عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة. ومن خلال المضيق، يُمكن الوصول إلى بحر العرب فالمحيط الهندي، فهو القناة التي تربط مياه البحر العالي في الخليج بمياه البحر العالي لخليج عمان، ومن ثم بالعالم الخارجي. ورغم أن عرض المضيق يتراوح بين 21-30 ميلاً، إلا أن قناة النقل الأساسية فيه ذات عرض يتراوح فقط بين 5-8 أميال، وبعمق يصل إلى 300 قدم. وتكثر في مضيق هرمز الجزر الصغيرة، الأمر الذي يزيد من وعورته وخطورة الإبحار فيه، ولذلك تتم الملاحة في الجزء الجنوبي منه. وتتأثر حركة الملاحة في المضيق، على وجه خاص، بعدد محدد من الجزر، كجزيرة الغنم التي تقع قرب شبه جزيرة مسندم، وتسيطر على طريق المواصلات البحري في الاختناق الموجود داخل المضيق، وكذلك جزيرة سلامة وبناتها، التي تقع داخل الاختناق أيضاً، وجزيرة هرمز، وجزر أبو موسى التي تقع على بعد 160 كلم من مدخل الخليج، وتبعد مسافة 75 كلم عن الساحل الإيراني وحوالي 60 كلم عن الساحل العربي، وجزيرتا طنب الكبرى والصغرى، اللتان تبعدان مسافة 50 و13 كلم عن جزيرة أبو موسى على التوالي. وفي المجمل، فإن أمن هرمز يرتبط ارتباطاً عضوياً بأمن الخليج، بل ليس بالمقدور مقاربة هذا الأمن بمنأى عنه. والأكثر من ذلك، ترمي حالة الأمن في هرمز بتداعياتها المباشرة على وضع الملاحة في كل من باب المندب والسويس غرباً، ومضيق ملقا شرقاً، فهذه المضايق تتكامل فيما بينها على المستوى الوظيفي، ولا يستطيع أي منها النهوض بوظيفته كاملة دون استقرار وضع الأمن في بقيتها. وإضافة لتأثرها المباشر بالظروف السائدة في دول الإقليم، تتأثر حالة الأمن في هرمز بالأوضاع الدائرة في كل من كراتشي وبلوشستان، وعدد آخر من مدن بحر العرب. ومن جهة أخرى، رمت ظاهرة القرصنة البحرية بظلالها على البيئة الأمنية للمضيق، حيث امتدت أعمال القرصنة من خليج عدن إلى المياه المتاخمة له، كما جرى قبل بضع سنوات تفجير إحدى سفن الشحن العملاقة في الجزء العماني منه. وتمر عبر مضيق هرمز حمولات شحن تبلغ 2.9 مليار طن سنوياً. وتشكل شحنات السلع الأولية كالحبوب وخام الحديد والإسمنت 22% من الشحنات المارة فيه، بينما تمثل تجارة الحاويات التي تنقل السلع الصناعية إلى دول الخليج 20% من هذه الشحنات. وعلى صعيد صادرات النفط عبر المضيق، تقدر نسبها على النحو التالي: تصدر المملكة العربية السعودية عبره 88% من إنتاجها وإيران 90% والعراق 98% والإمارات 99% قبل انطلاق ميناء الفجيرة، والكويت 100% وقطر 100% أيضاً. وتشكل إمدادات النفط عبر المضيق نحو أربعين في المائة من إجمالي المعروض النفطي المتداول عالمياً. وهناك ما متوسطه 15 مليون برميل من الخام يعبر يومياً المضيق على ظهر الناقلات. ويجري يومياً أيضاً تصدير مليوني برميل من المشتقات النفطية عبر المضيق، مثل زيت الوقود. وهذا فضلاً عن الغاز الطبيعي المسال. ومنذ النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين، صدر كم كبير من الدراسات والأبحاث التي تناولت البيئة الجيوسياسية والاقتصادية لمضيق هرمز. وبعد اندلاع الحرب العراقيةالإيرانية، تزايدت الدراسات التي عالجت وضع المضيق بالمنظورين الأمني والعسكري. وبدا هذا النوع من المقاربات أكثر حضوراً بعد الغزو العراقي للكويت في العام 1990. وعاد الحديث عن أمن هرمز إلى الواجهة في فترة التوتر الأميركي - الإيراني، على خلفية ملف طهران النووي. وقد صدرت غالبية الدراسات الخاصة بأمن المضيق عن مراكز أبحاث أميركية. وما يُمكن قوله خلاصة، في سياق هذا التفصيل، هو أن الجغرافيا قد لعبت ولا تزال دوراً محورياً في تشكيل بيئة الأمن الإقليمي في الخليج، وهي تمثل عنصراً مهماً في الدراسات البنيوية لهذا الأمن. ونحن، كخبراء وباحثين، مدعوون لإعطاء هذه الدراسات مزيداً من العناية والاهتمام. وقد سألني ذات يوم أحد المعنيين، قائلاً: لما لا تفرد أبحاثاً خاصة لهذا الأمر؟ فأقررت بأن هناك تقصيراً لا ينبغي أن يستمر، خاصة وأنه قد صدرت لي حتى اليوم سبعة كتب حول أمن الخليج. كذلك، فإن جامعاتنا، ومؤسساتنا العلمية المختلفة، مدعوة هي الأخرى للاهتمام بهذا الحقل من الدراسات.