الحمد لله مقدّر الآجال، ميسّر الأعمال، محصي الليل والنهار. بيننا نجوم كنجوم السماء إضاءةً، وزينةً، ودليلاً، لا نشعر بها إلا حين تختفي. تُثلم الدنيا بموت الأخيار، كما أن العلم يذهب بذهاب العلماء. الشيخ محمد الناصر، رائد العمل الخيري في مدينة المجمعة، أسس أعمالا خيرية، لا زالت تعمل بكل اقتدار وإجزال، تزداد ثمارا كل يوم، يستطعم منها المحتاجون والمستحقون. ارتفعت روحه ليلة الخميس 19محرم 1435 بسكتة قلبية مفاجئة. ذهب وبقيت أعماله البيضاء، منها مغسلة الاموات ونشر الفكر التربوي والعلمي في مدارس المحافظة وجسّم أخلاقا تمشي أمام من يتعامل معهم من المعلمين والطلاب وحوّل المستودع الخيري الذي لا يعدو مستودع نعمة وبقية لباس وأثاث! إلى برامج عمل تحول ما يقدمه الناس الى قوالب حياة للمحتاجين من جديد. جعل شعاره في المستودع "استثمار كافة إمكانات المجتمع لخدمة أفراده". ما أجمله من شعار تراه على الارض قبل أن تقرأه على لوحة مبناه. بل جعل المحسنين الموسرين هدفا للوصول لهم وتفعيل دورهم في مجتمعهم. فكانت أعماله متعددة "وجعلني مباركاً أينما كنت" منها: العمل على إدارة كفالة الاسرة بالسلة الغذائية شهريا، وتجهيز الطلاب للمدارس بمشروع الحقيبة المدرسية، وحفظ بقايا الاكل بشكل صحي وتجهيزها مرة أخرى بالتوصيل في وجبات الغداء والعشاء للأسر المحتاجة، وتوزيع الدواء، والرعاية الصحية في البيوت، واعادة استثمار وبيع الاثاث المستعمل، وترميم المساجد والبيوت، برنامج سيارة محتاج، وصدقات خاصة للشتاء واخرى للصيف، بالإضافة للهدايا العينية للمستفيدين تزيد عن العينات الاساسية. كما شارك في بناء بيوت الله وترميمها، وتوزيع الزكوات والفطر، وترتيب لحوم الاضاحي لكل بيت مقدار، والوصول لبيوت الاغنياء لتشارك بما يجود ويفيض منها لبيوت الفقراء، وكفارات اليمين وغيرها الكثير. كما فعّل دور رجال الاعمال بالمشاركة لمد اليد للبيوت التي ينقصها الصيانة والترميم والبناء. عرفته مذ خمس وعشرين سنة كان مثالاً للطالب المجد المجتهد في حياته عموما، كان ملماً بعلم الفرائض حيث يشرح لزملائه مسائله، لم يرغب وظيفة القضاء وهو لها أهل فرغب أم يكون معلما مربيا، وكان نموذجا للمتدين كما يريده الله - ولا ازكي على الله أحدا- تكسوه هيبة سمت الصالحين. لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يكثر السؤال، ولا يغتاب أحدا في حياته – كما أعرف ويشهد له الاقرب – ليس بفاحش ولا متفحش، أفعاله أكثر من أقواله. ولو أردت عدّ كلماته لعددتها مقابل ألاّ تستطيع عدّ أعماله، صمته ينطق ثماراً لفكره وتفكيره، ترى أعماله ولا ترى لها ظلاً له! يحب الخفاء في العمل بل أساسه. أدار المستودع الخيري لمحافظة المجمعة إدارة ملك النحل لخلاياه، ترى كل الشباب يعملون وكأنهم في سباق، ويبذلون كأنهم يحصلون على اضخم الرواتب والحوافز. أبا عبدالكريم رحمك الله وعفا عنك، لقد بارك الله في عمرك وعملك، عشت أربعين عاما في الحساب لكنها مائة في العمل والثمرة. جعلت بين عينيك "خير الناس أنفعهم للناس" فكنت أنت أنفعهم. في الحديث: "الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله" فرحلت وانت مجاهد في سبيل الله. كنت ذا أخلاق وفي الحديث "ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حُسن الخلق". بكت عليك النساء في البيوت، والرجال في الاسواق، والفقراء والمساكين والأرامل والمحتاجون الاقرب إلى الله ومنهم الدعاء يرتفع ويُسمع. ولعلك ممن أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وأعدّ له نُزلاً خير من عناء الدنيا وشقائها. وإن كنت شمس جود كسفت لكنها لم تغرب وقد أسست من أمثالك من يخلفك، بل أحييت نموذج المسلم النافع لدينه ومجتمعه وكنت نبراسا للعامل العابد. في المقبرة اجتمع الشفعاء له عند الله، من كل حدب وصوب، من الفقراء والمساكين ومن العلماء والاخيار. هنيئا لأمه ما قدمت من ولد صالح كانت له أعمالا وذرية، ولأم عبدالكريم الصبر والاحتساب، ولبعدالكريم وإخوته معيّة الله وقد فرش لكم أباكم طريق نور وضياء، وعزة وقدوة، ستتعطرون برائحة عطره الزاكية ما حييتم وترفعون رؤوسكم بالانتساب إليه وتفخرون بأنه هو والدكم. اللهم أحسن وفادته وأكرم نزله وارحمه. إن الله لا يضيع أجر المحسنين.