من منَّا لم يسمع أو يقرأ عن كيد "النساء" أو يقف على بعض منه، هذا "الكيد" هو جزء من المراوغة والتمثيل والدلال والقوة، وتوظيف كل ذلك في مختلف المواقف التي تتطلب أن تكون فيها المرأة مرةً ذكية، وأخرى غبية أو كاذبة أو ممثلة بارعة، كأن تكون لعوباً أو منكسرة، حيث لا تعدم أن تكون قادرة على القيام بكل ما يتطلبه الموقف من أدوار. وقد يحاول البعض أن يبتعد عن هذه الصفة أو ينكرها؛ لكونها تنم عن جهل في التفكير فيما يتعلق بمعالجة المشكلات والأمور الحياتية، إن لم تكن هذه حيلة العاجزة من النساء اللاتي غلبن في تحقيق أهدافهن، إلاّ أن المتأمل في وقائع وأحداث التاريخ والحياة سيجد أن ذلك مما يعد من الدهاء والأساليب المبررة لتحقيق المصالح أو درء المفاسد، وإن اختلف أسلوب استخدامها من امرأة لأخرى، إذ إن ذلك يعد سلاحاً ذا حدين. ونجد في "علم النفس" أن تفكير المرأة يكون حلزونياً، أي إنها تكون قادرة على التفكير بعدة أمور وربطها ببعضها مرة واحدة، وهذا ما يعجز عن فعله الرجل؛ لأن تفكيره متتابع في خطوط مستقيمة، وهو ما يفسّر تمتع المرأة بمهارات التعامل مع عدد من الأشخاص وتكوين العديد من العلاقات في وقت واحد، فها هي الأم أكبر مثال على ذلك بقدرتها على التلون والتشكّل في عدد من القوالب الإنسانية البشرية عند تعاطيها مع أفراد أسرتها في وقت واحد وبفاعلية في إنجاز ما عليها من مهام وأدوار لصالحها أو لصالحهم. محاولات حثيثة وتبدأ المشكلة لدى النساء اللاتي خضن تجارب مؤلمة من أقرب الناس لهن وهم الأزواج، وذلك حينما يُقدم هذا الزوج أو ذاك على الزواج بأخرى، وهذه حادثة لرجل وقع فريسة لكيد زوجته الجديدة وأخريات؛ حينما أراد التملص والتراجع عن الاستمرار في زواجه، إذ ظل سنوات طويلة يبحث عن زوجة تقبل الزواج به سراً؛ لكونه متزوجاً ويريد إخفاء الأمر عن زوجته، وبالرغم من فشله في أكثر من تجربة، إلاّ أنه يصر على أن الزوجة التي يرغبها لم تأت بعد، وأنه يعاني خللاً في العلاقة الزوجية. وكان لهذا الزوج ما أراد بعد محاولات حثيثة لتجربة لم يشك في أنها ستفشل، خاصة مع وجود وسطاء ثقات -وبالطبع كن من النساء- فسارت الأمور على خير وبدا أكثر انفتاحاً عندما لم يتردد في مصارحة خطيبته بما يعانيه من خلل في علاقته الزوجية؛ لتأخذ الأمر على محمل الجد، فما أن مرت أسابيع على زواجه حتى بدأ يتذمر جراء الضغوط الممارسة عليه، وبالرغم من تحقق ما كان يرجوه من هذا الزواج، إلا أنه أخذ يبحث عمن يخلصه منه، ولكن هيهات فقد تآمرت عليه النسوة وفتحن عليه "أبواب جهنم"؛ لينتشر خبر زواجه مدوياً لدى أسرته ومكان عمله، وفضح ما كان معتقداً أنها أسرار باح بها لزوجته. أما مجال العمل فهو أيضاً مسرحاً للنساء يمارسن فيه مهاراتهن في الكيد بعضهن لبعض، وهل يكون ذلك إلاّ طمعاً في الوصول لرضا المسؤول ولتحقيق المصالح؟. وقالت "أمل الغريب" إن النساء يتمتعن بقدر أقل من المهارة والقدرة في مجال عملهن، ومع ذلك استطعن أن يُروجن لأنفسهن بدهاء صورة جيدة أمام مديريهن عن كونهن يتمتعن بكل ما يتطلبه العمل من كفاءة وقدرة لإنجاز المهام والعمل. وجه الزوجة المألوف أمام المرآة لن يبقى والزوج يخون أو يسيء المعاملة كتاب مفتوح ودخلت "روعة" قفص الزوجية وهي حديثة عهد بمسؤوليات الزواج والعلاقات الأسرية والعائلية، مندفعة بانفتاح كبير تجاه من تربطهم بها علاقة من طرف الزوج؛ طمعاً في التقرب والتودد لهم، فلم تتردد في احتوائهم وتقريبهم حتى أضحت حياتها وعلاقتها الزوجية كتاباً مفتوحاً أمام الآخرين ممن لم يترددوا في مهاجمتها وشن الانتقادات على سلوكها وتصرفاتها كزوجة وأم، ولم تنتبه لخطورة وضعها إلاّ بعد أن أصبحت علاقتها بزوجها على المحك؛ بسبب شخصيتها الساذجة وغير المدركة لأبعاد ما يحاك ضدها من بعضهن، ممن يرغبن في زعزعة الثقة والحب الذي تحظى به من زوجها ووالدته. وهنا بدأت تتكشف لها ومن توعية قريبات لها مكائد ودسائس النساء ودوافع الغيرة لديهن، ما حملها على الدفاع عن نفسها وبقوة، فلم تتوان حينها عن استخدام المكر والمراوغة مما تعارف على تسميته بكيد النساء. وقالت "روعة":"المرأة ضعيفة بدنياً ونفسياً، إلاّ أنها لا تعدم الحيلة واستخدام الأسلحة الناعمة"، متسائلة عمن قال:"إن كيد النساء ضد الرجال فقط"، مشيرة إلى أن المرأة تكيد لكل من يحاول أن يمسّها بسوء أو يسيء لها أو يجرها لمشكلات وأزمات، وبينت في هذا الصدد أنها بعد الزواج تقاسمت السكن مع عائلة زوجها ووقعت ضحية لاستغلالهن بجعلها تتولى جزءاً كبيراً من مهام العمل المنزلي، إلى جانب محاولتهن إفساد ما كانت تفعله من مهام، لافتة إلى أنها بعد أن تكشفت لها الأمور بدأت في الانتصار لنفسها. ولا شك فيه أن كيد النساء ليس شراً محضاً، فمنه الكيد الطيب الذي حبا الله به بعض بنات حواء من القدرة على استعمال الحيلة لأخذ ما تريد من الرجل دون أن تتسبب بأذى له أو لغيره، وقد تكون هذه الغيرة ميزة في المرأة ومهمة للسعادة الزوجية، خاصة مع أولئك الرجال الذين اعتادوا فرض سلطتهم المُطلقة في اتخاذ القرارات. كسب التأييد وأكدت "سحر أحمد" على أن "الكيد" صفة تتميز بها جميع النساء دون استثناء، بما فيهن المتعلمة تعليماً عالياً على اختلاف درجاتهن، مضيفة أن ذلك لا ينقص من قدر المرأة أو يعيبها، إذ يكاد يكون الكيد أو التحايل والالتفاف لعبة تحترفها العديد من النساء، فيتمكنَّ عبرها من تحقيق ما يُردن تحقيقه لأنفسهن أو لمن حولهن، فقد تكيد النساء من أجل أنفسهن أو لأبنائهن أو لأزواجهن أو محارمهن المقربين، وقد يكون الكيد لتحقيق الحب وتحسين العلاقات العاطفية أو الانتقام وإيقاع الضرر والأذى في أدنى وأعلى صوره، مشيرة إلى أن للمرأة قدرة كبيرة على تحقيق الوصول لما تريد وكسب التأييد والتعاطف دون أن يقال لها "لا"، لافتة إلى أنها كثيراً ما تستخدم ذلك مع زوجها وأسرتها. ولفتت "إلهام عبدالرحمن" إلى أن "الكيد" هو سر العلاقة الزوجية الناجحة، فكم من النساء لا يملكن مقومات الجمال أو الجاذبية ذات التأثير في جذب الرجل، بيد أنهن استطعن أسر الرجال والاستمرار في حياة زوجية فاعلة ومؤثرة بقليل من الكيد اللطيف. عوامل اجتماعية وبينت "آمال سعد" -أخصائية اجتماعية بمستشفى اليمامة- أن "الكيد" ليس مقتصراً على النساء، فالله -سبحانه وتعالى- يقول في كتابه العزيز:(قَال يا بنَي لا تقصص رؤياك علَى إخوتك فَيكيدوا لَك كَيدًا إِنَّ الشيطان للإنسان عدوٌّ مُبِين)، مشيرة إلى أن ما ذُكر عن كيد النساء في القرآن جاء على لسان "العزيز" في قوله تعالى:"إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم"، ومع ذلك فإن هذا "الكيد" نوع من سلوكيات دفاع النساء عن أنفسهن، وعمن يحبونهن، كالأبناء والمقربين تجاه من لا يملكون أمامهم إلا استخدام الحيلة والدهاء؛ لدفع الأذى أو لتحقيق المآرب والإيحاء للآخرين بالقدرة، حيث لا يخلو في بعض صوره من الانتقام، لافتة إلى أن هناك أيضاً عوامل اجتماعية تقف خلف سلوكيات "الكيد" لدى النساء، موضحة أنه يكثر في البيئة التي يقل فيها المستوى التعليمي للمرأة ومستوى الوعي، وإن كان سلاحاً لا تتواني المرأة أيَّاً كانت من اللجوء إليه.