يواجه العديد من ذوي الإعاقة الكثير من التحديات التي قد تحد من قدراتهم أو تمنعهم من تنفيذ بعض المهام والأدوار المُتوقَّعة منهم باستقلاليَّةٍ تامةٍ، ومن ذلك العناية بالذات أو ممارسة بعض النشاطات على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها ضمن الحدود الطبيعيَّة. والإعاقة مهما كان نوعها أو درجتها، فإنَّها ليست مُسوِّغاً للاستسلام أمام دروب الحياة الصعبة والمجهولة، وليست مبرراً للتهميش أو الإقصاء، بل إنَّها قد تُشكِّل حافزاً مُحرِّضاً للتحدِّي وإثبات الذات وتحويل الشخص ذوي الإعاقة إلى شخصٍ فاعلٍ مُساهم ومُشارك في التنمية الوطنيَّة. وقد نجح العديد من ذوي الإعاقة في تسجيل نجاحاتهم واثبات وجودهم في مجالات عديدة وميادين مختلفة؛ وذلك بتوفيقٍ من الله –عزَّ وجلّ- ثمَّ بقوَّة الإرادة والعزيمة والإصرار، بيد أنَّ العديد منهم لا يزالون يُعانون نتيجة عدم تهيئة البيئة المُناسبة لهم بما تحتويه من مرافق مُعدةً بشكلٍ يُراعي إعاقتهم وبشكلٍ يضمن تمكينهم من الإفادة منها بشكل أكبر والتنقُّل داخلها دون الحاجة إلى مدّ يد العون والمساعدة لهم. ونتيجةً لأهمية تهيئة البيئة المكانيَّة والمرافق الخدميَّة في هذا الجانب فقد تبنَّى "مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة" برنامج "الوصول الشامل" الذي يهدف إلى تكييف البيئة والمرافق الخدميَّة لمصلحة ذوي الإعاقة، وأصدر المركز أربعة أدلَّةً إرشاديَّةَّ يتعلَّق الأول منها بالوصول الشامل في "البيئة العمرانيَّة"، مُستهدفاً المُخططين والمِعماريين والمُهندسين ومُصمِّميّ الديكور الداخليّ ومُخطِّطي المدن وصانعي القرار من المُهتمين في القطاعين العام والخاص في تطبيق المبادئ والاشتراطات الخاصَّة بالوصول الشامل في "البيئة العمرانيَّة" على مشروعات البناء المُستجدَّة وتهيئة المباني القائمة؛ من أجل استيعاب فئات المُجتمع بما فيهم كبار السن والأشخاص الذين لديهم إعاقة. وتمَّ تصميم الدليل بطريقةٍ تُراعي حالات وظروف الفئات السابقة عبر تحديد الاشتراطات المُوجَّهة للمرافق الإداريَّة والرعاية الصحيَّة والتعليميَّة والدينيَّة والتجاريَّة والترفيهيَّة والسكنيَّة، إذ إنَّ الوصول الشامل في "البيئة العمرانيَّة" سيُمكِّن جميع فئات المجتمع من العيش في استقلاليَّة وقضاء احتياجاتهم والإفادة من جميع المرافق. الفكرة ممتازة لكنها بحاجة إلى دعم وتعميم ورقابة التطبيق للأدلة الإرشادية ميدانياً البيئة العمرانيَّة واحتوى الدليل الإرشادي للوصول الشامل في "البيئة العمرانيَّة" على عدد من الاشتراطات الفنيَّة، بعضها يتعلَّق بالعناصر الخارجيَّة كالبوَّابات والمواقف والأرصفة والدرج والمُنحدرات ومعابر المُشاة، فيما يتعلَّق البعض الآخر بالعناصر الداخليَّة كالمداخل والممرات والمصاعد والأبواب ودورات المياه والغُرف، كما أنَّ من بينها ما يتعلَّق بالعناصر التكميليَّة وأنظمة الاتصال والسلامة، مثل ماكينات البيع ومناطق الاستراحات والانتظار والهواتف ومخارج الطوارئ، ورُوعي هندسيَّاً ما يتعلَّق بالمُتطلَّبات الخاصَّة بنوعيَّة خاصَّةٍ من المباني، مثل المحاكم ومراكز الشرطة والمكتبات والمساجد. جمعية حركيَّة ساهمت في دمج ذوي الإعاقة الحركيَّة عبر مشروع نقل المعوق النقل البريّ وفيما يتعلَّق بالدليل الإرشاديّ الثاني للوصول الشامل، فإنَّه مرتبط بوسائط "النقل البريّ"، إذ يُحدِّد هذا الدليل الاشتراطات اللازمة لجميع المركبات ومعدات الصعود المرتبطة بها، والتي تُستخدم في أنظمة النقل العام المحليّ والنقل البريّ بين المدن، كما يُناقش أنظمة الإعلام بمُخطَّط الرحلة وأنظمة تحصيل الأُجرة والسطح البيني للتعامل بين المركبة والمواقف والمحطات، إلى جانب احتوائه على الاشتراطات الفنيَّة واشتراطات التصميم الخاصَّة بالوصول الشامل في النقل البري المُتعلِّق بحافلات النقل الجماعيّ والنقل السريع ومركبات النقل الخاصَّة وسيَّارات الأُجرة والقطارات. برنامج الوصول الشامل في البيئات المكانيَّة اهتم بذوي الإعاقة الحركيَّة وتجاهل الفئات الأخرى الوِجهات السياحيَّة كما يتعلق الدليل الإرشاديّ الثالث للوصول الشامل ب "الوجهات السياحيَّة وقطاعات الإيواء"، ويهدفُ إلى توفير مواد إرشاديَّة لتطبيق الوصول الشامل داخل بيئات منشآت الإقامة، إلى جانب إرشاد أصحاب الشأن السياحي؛ لضمان الحد الأدنى لمستويات سهلة الوصول في الوجهات السياحيَّة، ويشمل الدليل جميع قطاعات الإيواء وأماكن السياحة، مثل الفنادق والوحدات السكنيَّة المُؤثَّثة والمُنتجعات السياحيَّة والمتنزَّهات وبيوت الشباب والمُجمَّعات السكنيَّة، إلى جانب السكن المُؤقَّت والملاهي وكذلك المراكز التجاريَّة والمنشآت الثقافيَّة، إضافةً إلى الواجهات البحريَّة وممرَّات المُشاة. العلامات التحذيريَّة عند السلالم تُشكِّل أهميَّةً بالغةً لفئة المكفوفين النقل البحريّ وسلَّط الدليل الإرشادي الرابع للوصول الشامل الضوء على الجوانب المُتعلِّقة بوسائط "النقل البحري" التي تشمل جميع سُفن الرُّكاب سواءً الصغيرة منها ذات الطابق الواحد أو مُتعدِّدة الطوابق، إلى جانب السُّفن السياحيَّة وسُفن الخدمات السياحيَّة، وكذلك المحطَّات البحريَّة ومعدَّات صعود السُّفن والوصول لمرافق السفينة والاتصال بين السُّفن عبر ممرَّات العبور والجسور والأرصفة، وسيُمكِّن هذا الدليل المهندسين البحريين والمُصنِّعين ومُصمِّميّ الديكور الداخلي وغيرهم من استيراد سُفن ركَّاب سهلة الوصول، وتطبيق المُواصفات المطلوبة في السُّفن الجديدة، وتجديد السُّفن الحاليَّة والمحطَّات البحريَّة؛ من اجل استيعاب الجميع. د.تركي القريني سهولة الوصول وهنأت "د.فوزية محمد أخضر" - عضو النظام الوطني للمعوقين، وعضو مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين - جميع ذوي الإعاقة وأُسرهم بمناسبة صدور الأمر السامي الكريم رقم (35362) وتاريخ (22/9/1434ه) لبرنامج الوصول الشامل على المستوى الوطني، مُضيفةً أنَّ البرنامج يأتي تجسيداً لما تُوليه حكومة خادم الحرمين الشريفين من رعاية واهتمام بذوي الإعاقة ولبقيَّة فئات المجتمع المنتفعين من هذا البرنامج الوطني العام، مُوضحةً أنَّ البرنامج يُعدُّ أحد أهم إنجازات مركز الأمير "سلمان" لأبحاث الإعاقة، وجزءاً مهماً من نظام رعاية ذوي الإعاقات المُقرّ من الدولة والصادر بمُوجب المرسوم الملكي رقم (37/م) وتاريخ (23/9/1421ه) القاضي بالموافقة على قرار مجلس الوزراء رقم (224) وتاريخ 14/9/1421ه الخاص بإقرار النظام. د.أحمد السيف وقالت إنَّ البند الثالث من النظام أكَّد على ضرورة تسهيل تواصل هذه الفئات بكل الطرق المُمكنة؛ لدمجهم في المجتمع والتواصل مع الجهات المُختصة لوضع الشروط والمواصفات الهندسيَّة والمعماريَّة الخاصَّة باحتياجات ذوي الإعاقات في أماكن التأهيل والتدريب والتعليم والرعاية والعلاج، ومناقشة أنماط ومعايير التصاميم التي تُغطِّي بيئات المباني والمواصلات والسكن والترفيه؛ لتسهيل وصولهم إلى جميع المرافق الحكوميَّة والخدميَّة في البلاد، مُشيرةً إلى أنَّ التطبيق العملي لمعايير سهولة الوصول الشامل سوف يُمكِّن من مساعدة ذوي الإعاقات من المشاركة في التنمية الوطنيَّة. غير معمم وأضاف "د.تركي بن عبدالله القريني" -أستاذ التربية الخاصَّة المُساعد بجامعة الملك سعود- أن مفهوم الوصول الشامل لذوي الإعاقات غير مُمارس لدينا في العديد من المرافق الحكوميَّة والخاصَّة، رغم أهميته في أيّ مجتمع، مُستشهداً بوجود مدارس لا تتوفر بها المصاعد الكهربائيَّة أو المُنحدرات وغيرها من التسهيلات التي يمكن أن تُساعد التلاميذ الذين لديهم إعاقة في التنقل بين مرافق المدرسة والإفادة من الأنشطة الصفيَّة واللاصفيَّة في تلك المرافق، لافتاً إلى أنَّ "برنامج الوصول الشامل" المُطبَّق في "جامعة الملك سعود" يُعدُّ أُنموذجاً يمكن أن تُحاكيه الجامعات الأُخرى. محمد الشويمان وأشار إلى أنَّ "برنامج الوصول الشامل" ساهم في تكييف البيئة المعماريَّة والتقنيَّة للطلاب ذوي الإعاقة، الأمر الذي سهَّل لهم عمليَّة التنقُّل بين مرافق الجامعة، إلى جانب الإفادة من خدمات "الويب" المُتاحة، سواءً في عمليَّة القبول أو غيرها من الخدمات المُتاحة على مواقع "الإنترنت" بمرافق الجامعة. عقوبات رادعة وأكَّد "د.أحمد بن صالح السيف" -عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان- على أنَّ "برنامج الوصول الشامل" يُجسِّد تحقيق مفهوم تعزيز حقوق ذوي الإعاقة الذي دعت إليه اتفاقيَّة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الرامي إلى إزالة العراقيل الماديَّة والنفسيَّة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم الأساسيَّة، ومن ذلك استخدام المرافق العامَّة والخاصَّة، الأمر الذي له أثرٌ بالغٌ في تقدير الذات ودعم العيش المُستقلّ لهم، مُشدِّداً على أهميَّة تنفيذ البرنامج، وإلزام الجهات ذات العلاقة به، وإشاعة الوعي بالعمل به عبر نشر اللوحات التعريفيَّة والإرشاديَّة التي تُشكّل مظهراً حضارياً للدولة، داعياً إلى سن عقوبات رادعة بحق من لم يعمل على تنفيذه والالتزام به. اعتراض "المكفوفين" وانتقد عدد من "المكفوفين" تطبيق "برنامج الوصول الشامل" في البيئات المكانيَّة وتهيئتها للأشخاص المُعوقين حركياً فقط، في الوقت الذي تمَّ فيه تجاهل الفئات الأخرى لذوي الإعاقة البصريَّة والسمعيَّة، مشيرين إلى أهميَّة اعتماد وتطبيق مواصفات تتعلَّق بالوصول الشامل للمُعوقين بصرياً، ومن ذلك إنشاء مسارات أرضيَّة وعلامات تحذيريَّة تكون قبل سلالم الدرج، إلى جانب التقنيات الأُخرى المُختلفة التي من شأنها تحقيق أمن وسلامة "الكفيف" ومنحه الاستقلاليَّة التامَّة في الحركة والسير بحُريَّة وأمان. وانتقد "محمد الشويمان" -كفيف- تطبيق "برنامج الوصول الشامل" في البيئات المكانيَّة وتهيئتها للأشخاص المُعوقين حركياً فقط، في الوقت الذي تمَّ فيه تجاهل الفئات الأخرى لذوي الإعاقة البصريَّة والسمعيَّة، مشيراً إلى أهميَّة اعتماد وتطبيق مواصفات تتعلَّق بالوصول الشامل للمُعوقين بصرياً، ومن ذلك إنشاء مسارات أرضيَّة وعلامات تحذيريَّة تكون قبل سلالم الدرج، إلى جانب التقنيات الأُخرى المُختلفة التي من شأنها تحقيق أمن وسلامة "الكفيف" ومنحه الاستقلاليَّة التامَّة في الحركة والسير بحُريَّة وأمان. وأيَّده في ذلك "عبدالمحسن بن محمد الدعيرم" -كفيف-، مُشيراً إلى قلَّة أعداد "المكفوفين" المُرتادين للطرقات والأسواق، مُضيفاً أنَّه في حال تمَّ ذهاب أحدهم إلى هذه الأماكن فإنَّه لا بُدَّ من وجود شخص مُرافق له؛ في ظلّ وجود بيئةٍ مكانيَّة صُمِّمت للأسوياء وأهملت ذوي الإعاقة، إلى جانب كثرة الحفريَّات والإنشاءات على الطُرق، واصفاً "برنامج الوصول الشامل" بالمشروع الرائد الذي سيفتح نوافذ الأمل لخدمة جميع فئات المجتمع دون تمييز في بيئةٍ آمنة تُراعي مُتطلَّبات واحتياجات كل فئة، بحيث تكون بيئةً صديقةً للأسوياء والأشخاص ذوي الإعاقة.