تتلهف القلوب لموسم الحج هذا العام، فها هو قد أصبح على الأبواب إنه الموسم الذي تنتظره الأمة بفارغ الصبر من عام إلى عام لأن فيه فقط يمكن أداء الركن الخامس من الإسلام، وهو الركن الذي يتحقق فيه أكبر مؤتمر إسلامي عالمي سنوي في مكان واحد، في المشاعر المقدسة بمكة المكرمة. لقد تعود المسلمون في أرجاء الأرض قاطبة على أن يستعدوا هذه الأيام للرحلة المباركة تحت لواء (لبيك اللهم لبيك)، وهذا الاستعداد يأخذ أشكالاً عديدة مادية، وصحية، وعلمية، ومعنوية وغير ذلك من متطلبات السفر والحل والترحال، ولكنّ هناك وجهاً آخر من الاستعداد تقع المسؤولية فيه على المسلم الفرد بحد ذاته كما تتحمل الأمة ككل بكل دولها ومؤسساتها ومنظماتها دورها ومسؤوليتها فيه، وما أقصده هو واجب التوعية الدينية والثقافية والصحية والحياتية أو غير ذلك مما يتطلبه موسم الحج. إن الحج أكثر من مجرد سفر، وأكبر من مجرد مناسبة، وأوسع من مجرد تجمع، إنه نسك عظيم له خصوصيته المميزة، ومتطلباته الخاصة، وكلها تحتاج إلى توعية من نوع متميز. لقد أصبحت ضرورة توعية الحجاج أمراً ملحاً وواجباً ومطلباً تتحمل مسؤوليته كل الدول الإسلامية وكل المنظمات والهيئات الإسلامية التي يعنيها الأمر . وأولاً وأخيراً فإن الوعي الديني السليم مطلوب لدى كل المسلمين في كل زمان ومكان ولابد من أن يلم به كل مسلم لكي يتسنى له أداء المناسك على الوجه الأمثل والأكمل بدون رفث ولا فسوق ولا جدال بحيث تتحقق له الغاية المقصودة ألا وهي رضا الله سبحانه وتعالى وتوفيقه وحصول الإنسان على السعادة في الدارين الدنيا والآخرة فالأمر ليس مجرد روتين أو عمل عادي أو طقوس معينة بل هو أسمى من ذلك وأرقى، إنه سمو روحي حقيقي وفوز عظيم. فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وكيف يحصل الإنسان على حج مبرور من دون وعي وفقه سليم وصحيح في أركان الحج وواجباته وسننه ومحظورته. يبدأ تحقيق الواجب من مستوى الفرد المسلم الذي عليه أن يستعد لتلقي المعلومات المطلوبة والمناسبة وأن يشحذ همته للحصول على ذلك من المصادر الموثوقة سواء كانت كتباً أو نشرات معروفة المصدر أو مصادر المؤسسات الحكومية الشرعية أو ما تصدره وتقوم به المنظمات الإسلامية المعتبرة. وبعد ذلك يأتي دور الأئمة والخطباء والعلماء والدعاة، ودورهم أساسي في هذه القضية وعليهم أن يلموا بكل جوانبها ليستطيعوا تثقيف وتوعية غيرهم بشكل صحيح وهذا هو الوقت المناسب من أجل التعمق بهذا الجانب من الفقه لأنه يستهدف تحقيق الركن الخامس بالشكل الأمثل. ومن ثم يجب عدم إغفال أو تناسي الدول الإسلامية لواجبها الكبير وحث من ينوي الحج بالحصول على المعلومات المناسبة وكذلك تطبيق ما يلزم من إجراءات صحية وقائية وغيرها بل وتوفيرها إذا لزم الأمر. ودور المراكز والمنظمات الإسلامية ذات الصلة مماثل لدور الحكومات وخصوصاً في بلدان الأقليات الإسلامية والتجمعات الإسلامية البعيدة. أما دور المملكة الحبيبة فهو كبير وعظيم وقد قامت بواجبها وتقوم على أمثل وجه بما يخدم الهدف النبيل والمقصد الكبير, لقد فعلت المملكة خيراً حينما طبقت ما اتخذته الدول الإسلامية بتخصيص عدد معلوم من الحجاج لكل دولة، وهذا يتيح للدول عمل برامج دعوية وإرشادية لحجاجها قبل المجيء للبقاع المقدسة ويمكن أن تبدأ قبل رمضان إلى موعد القدوم إضافة إلى وجود عدد من المشايخ والعلماء والدعاة الخاصين بكل دولة. إن جهود المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين كبيرة وعظيمة في التوعية والإرشاد سواء ضمن أراضيها أو خارجها في كل أرجاء المعمورة. ومن البديهي القول إن يكون قاصد الحج ملماً بأمور دينه وخاصة مناسك الحج، ومدركاً لما يقوم به وواعياً لتفاصيل الشعائر، وتحقيق ذلك لا يتكامل إلا بتضافر الجهود وتعاون الجميع. الحج ضيفنا الحبيب القادم والاستعداد له يجب أن يكون على مستواه والثواب كبير.. كبير والله من وراء القصد.