اعتاد الكثير من سكان العاصمتين المقدستين في مواسم الحج والعمرة والزيارة وعلى مدى سنوات طويلة على إخلاء مساكنهم القريبة في الغالب من الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والانتقال إلى مقر سكن أبعد داخل أو خارج تلك المدينتين، من أجل تأجير تلك المساكن على ضيوف الرحمن والحصول على عائد مجزٍ في تلك المواسم المحدودة في توقيتها والمعدودة في إجمالي أيامها حيث تتراوح الإيجارات في الوقت الحاضر ما بين ثلاثة إلى سبعة آلاف ريال للحاج الواحد تتحدد تبعاً لموقع السكن وتميزه بما يشتمل عليه من مرافق وخدمات. لقد كانت العلاقة التعاقدية في هذا الجانب تتم في مراحلها المبكرة البسيطة مباشرة ما بين اصحاب المساكن والحجاج، وبعد مرحلة معينة من التنظيم انتقلت تلك العلاقة إلى أن تصبح ما بين من تعود لهم تلك المساكن والمطوفين، إلى أن صدر النظام الخاص بالمنازل المعدة لإسكان الحجاج ولائحته التنفيذية المشتملة على الضوابط والاشتراطات التي تهدف إلى ضمان توفير البيئة الصحية وتحقيق الأمان والسلامة للإقامة في تلك الوحدات السكنية المعدة لهذا الغرض، والتي تشرف على تطبيقها لجنتان للإسكان في كل من مكةالمكرمة والمدينة المنورة، فأمست بعثات الحج بموجب ذلك هي المسئولة وحدها عن اختيار سكن حجاجها ضمن إطار المباني السكنية التي يصدر لها الترخيص بذلك من تلك اللجنتين. ما من شك في أهمية وضرورة التنظيم في هذا المجال، إلا أن مما يخشى منه هو إسهامه الذي تزامن مع أعمال الهدم والإزالة لصالح توسعة الحرمين الشريفين وتطوير المناطق المحيطة بهما والنمو السنوي لعدد الحجاج والمعتمرين والزوار، في تعزيز النزعة لدى المستثمرين بأن يكون نشاط إسكان الحجاج ربحياً صرفاً، خصوصاً بعد ارتفاع العائد من هذا النشاط، وحفزه للعديد من الملاك إلى أن يتوجهوا لتأجير عقاراتهم لإسكان الحجاج والمعتمرين فقط، وعلى نحو غير مسبوق، زاد من اشتعال أسعار السوق في هاتين المدينتين، فأصبحت الشقق السكنية المعروضة للإيجار في موسم الحج تزيد عاماً بعد آخر على حساب الوحدات السكنية المتاحة للسكن طوال العام، وجعل ما يتوفر منها محدودا جداً، وباشتراط الخروج في موسم الحج، حيث بات هذا المسمى دارجاً لدى المكاتب العقارية وأضحى إيجار الوحدات السكنية بشكل مستمر طوال العام يبلغ ضعف إيجار الوحدات السكنية المشروطة بالإخلاء في موسم الحج. إن إجمالي عدد الوحدات السكنية في كل من مكةالمكرمة والمدينة المنورة يبلغ نحو خمسمائة ألف وحدة سكنية في الوقت الحاضر، نسبة الشاغر منها بالتأكيد تفوق الحد الأدنى المتعارف عليه وهو نسبة (10%) من المساكن التي تمثل الاحتياطي اللازم لتخفيف التضخم في الإيجارات، أي أن عدد تلك الوحدات الشاغرة وغير المستغلة إلا من البعض منها في موسم الحج تزيد عن الخمسين ألف وحده سكنية، وربما ضعف أو أضعاف ذلك الرقم، فما جدوى أن نقيم مشاريع جديدة للإسكان في تلك المدينتين، وعندنا تلك النسبة العالية من الشاغر في الوحدات السكنية بهما..! ألا يحتم ذلك إعادة النظر في تنظيم هذا المجال بالمدينتين..؟