قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت}.. المسلمون هم الأكثر الأمم ايماناً وتسليماً بالموت وحتميته على الإنسان.. وهم الأكثر تقبلاً له كأمر طبعي وحاصل لا مفر منه.. وان كل حي نهايته الموت.. ولكن الموت وانصرام الحياة الدنيا لديهم ليست نهاية عدمية أو عبثية.. بل هي نقلة مفاجئة من حياة إلى حياة.. من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة.. فيكيفون انفسهم وحياتهم مع مسألة الموت المسلم به والموعود يوم ما.. ولكن يظل رحيل القادة والعظماء والمصلحين له وقع آخر واثر مختلف.. لابد من تأمله والتمعن فيه.. لأن برحيلهم تطوى صفحة أمة ويسدل الستار على فصل ثري بالأعمال العظيمة والمنجزات الكبيرة.. الملك فهد - رحمه الله - من الحكام الذين وضعوا بصمتهم وصنعوا التاريخ وكتبوه خلال فترة من الزمن عامرة بالأحداث الجسام.. الفهد عايشناه وزيراً وولياً للعهد ثم ملكاً ثم حاملاً للقب الخالد (خادم الحرمين الشريفين) بمفهومه الديني والايماني العميق. رحل أبوفيصل وترك القلوب بعده مكلومة والعيون دامعة والمشاعر مضطربة.. رحل بعد معاناة طويلة ظهر خلالها متماسكاً متعالياً على أوجاعه مؤمناً بربه صابراً على قضائه.. فعسى ان يكون ما أصابه تكفيراً له ورفعة في درجته.. وبعيداً عن حنكته السياسية كزعيم مبهر وقائد فذ عرف أبو فيصل بطيبة قلبه وبشاشته وسعة صدره وله مواقف معروفة تكشف حلمه وتسامحه.. مواقف عجيبة لا تختلف عما نقرأه من حلم الخلفاء والولاء والقادة في تاريخ الإسلام. رحل أبوفيصل ولكنه ترك اثراً خالداً لا ينسى وانجازاً لا يجاري تميز به عن الأولين وسبق به التالين.. يكفي من أعمال الراحل الكبير عملان جليلان وأثران عظيمان.. بهما سيكتب اسمه بحروف من ذهب وكلمات من نور.. وستخلد سيرته مدى الدهور والأجيال وما تعاقب ليل ونهار.. وهما (توسعة الحرمين الشريفين) و(مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) وكفى بهما وأنعم من اثرين عظيمين. ولو أردنا ان نتحدث عن فضل هذين المعلمين والأثرين الكبيرين لاحتجنا إلى صفحات وصفحات لنعطيهما حقهما من الفضل.. فعسى ان يكتب له رب العزة والجلالة الأجر ويجزل له المثوبة على ما قدم للإسلام والمسلمين.. من صالح الأعمال وعظيمها.. وإذا كنا فجعنا بوفاة الفهد.. فقد غبطنا واستبشرنا وسعدنا لهذا الانتقال السلس للسلطة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعضده الأيمن وولي عهده الأمير سلطان.. ليكونا خير خلف لخير سلف.. فإذا كان الفهد رحل فلقد أتى الفارس عبدالله وكما قال الشاعر: إذا مات منا سيد قام سيد قؤول بما قال الكرام فعول اللهم إن عبدك فهد بن عبدالعزيز توفيته وقبضت روحه فاللهم اني رضيت عنه فارض عنه واغفر له وتجاوز عنه وجازه بالحسنات احساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.. اللهم اكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد.. اللهم جازه عما قدم للإسلام والمسلمين من أعمال صالحة أراد بها التقرب إليك وخدمة لدينك ورفعة للإسلام والمسلمين.. اللهم الحقه بالنبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. اللهم وفق خلفه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لما تحب وترضى.. ووفقه لخير البلاد والعباد وشد عضده وأيده بولي عهده الأمين الأمير سلطان.. اللهم اننا نشهدك اننا نبايعه على السمع والطاعة على شريعتك وقرآنك وسنّة نبيك صلى الله عليه وسلم في العسر واليسر والمنشط والمكره.. والحمد لله رب العالمين.. وله الأمر من قبل ومن بعد.