حين تجولت في الهند ( خلال سبتمبر وأكتوبر 2012) كان مرافقي يأخذني دائما للمطاعم الاسلامية دون أن يأكل شيئا من أطباق اللحوم والمشويات التي أطلبها.. ففي أول يوم التقيت به سألني من باب التأكد: هل أنت فجتيرين (أو نباتي vegetarian) فقلت ضاحكا: بل تشكنيرين (وهي كلمة من تأليفي اشتققتها من كلمة تشكن أو دجاج).. ولكنه لم يفهم النكتة فقال بجدية: إذاً لن أستطيع تناول الطعام معك لأنني فيجنس vegans (أي لا يأكل حتى المنتجات الحيوانية) فتصنعت الأسف من أجله، ولكنني سعدت بالتهام أطباق المشويات وحدي!! فرغم أن الانسان مخلوق قارت (يمكنه أكل اللحوم والنباتات على حد سواء) إلا أن مجموعات بشرية كثيرة لا تأكل اللحوم لأسباب دينية وثقافية وصحية مختلفة.. ففي الهند مثلا لا يأكل 80% من الهندوس اللحوم لأسباب دينية - ونسبة أقل منهم لا تأكل حتى المنتجات المتعلقة بالحيوانات كالبيض والعسل والزبدة ومنتجات الحليب المختلفة.. ولهذا السبب ليس غريبا أن تكون معظم المطاعم في الهند نباتية - حتى وإن لم تذكر ذلك على لوحاتها الخارجية - في حين تضطر المطاعم الإسلامية للإعلان صراحة عن توفر اللحم الحلال فيها.. ورغم أن الهنود هم الأكثر عراقة في هذا المجال إلا أن شعوبا كثيرة بدأت بالتحول الى الطعام النباتي هذه الأيام.. ففي دول الغرب المترف اختار البعض طواعية التحول للغذاء النباتي لأسباب صحية وأخلاقية بحتة.. فالبعض مثلا يمتنع عن تناول اللحوم خوفا من الأمراض - واللعنات - الناجمة عن أكل الأموات، والبعض الآخر اعتراضا على المعاملة القاسية التي تتعرض لها المواشي في التربية والذبح، وقسم ثالث تبنى معتقدات شرقية قديمة تعارض قتل ذوات الأرواح وتعتقد أن الحيوانات تجسيد لأشخاص عاشوا في الماضي، اما القسم الأخير فيشمئز ببساطة من فكرة قتل أي مخلوق بغرض تناول جسده فقط..!! وأذكر حين انتشر جنون البقر في بريطانيا أن صحيفة الاندبندنت قالت إن (مليون) عائلة بريطانية أقلعت نهائيا عن تناول اللحوم.. وهذا الانسحاب الجماعي يضاف لسجل الشعب البريطاني الذي يعد من أسرع شعوب العالم هجراً للحوم وتحولاً للطعام النباتي الخالص.. واليوم يعد 35% من البريطانيين نباتيين تماما و74% لا يتناولون اللحوم إلا نادراً، في حين يقدر أن ألف شخص يتوقفون عن تناول اللحوم كل اسبوع!! ويلاحظ عموما أن ظاهرة التحول للطعام النباتي بدأت تنتشر في أوروبا على وجه الخصوص؛ ففي فرنسا مثلا أكد المعهد الوطني للإحصائيات ان 66% من الفرنسيين أصبحوا يفضلون الأكل النباتي (في حين أصبح 24% منهم نباتيون بشكل كامل). وموجة التحول هذه بدأت منذ عقد السبعينيات حين بدأ لحم الحصان - الذي يعشقه الفرنسيون - بالاختفاء تدريجيا من مجازر باريس، في حين خف استهلاك الدواجن بسبب انتشار "دودة الخنزير" في قطاع الماشية (ولم يكد الفرنسيون ينسون تلك الكارثة حتى ظهر جنون البقر ثم الحمى القلاعية ما عزز تمسكهم بالغذاء النباتي)!! ... على أي حال؛ إذا استثنينا الإفراط في اللحوم الحمراء فلن نجد سببا صحيا مؤكدا يمنعنا من تناول اللحوم (بل على العكس يعتقد أن هذه الميزة هي التي مكنت البشر من الاستمرار لآلاف السنين في حين انقرضت حيوانات كثيرة بسبب الجفاف واختفاء الغطاء النباتي)! أما على المستوى النفسي والشخصي فلدي قناعة بتأثير الطعام على شخصية الانسان ومزاجه العام.. فرغم عدم اعتراضي على أكل لحوم البعارين والخرفان والضبان إلا أنني أتساءل إن كان لها دور في جلافة الطباع وقسوة الأخلاق التي تتمتع بها الشعوب الصحراوية.. وفي المقابل؛ ما إن كان للطعام النباتي الخالص دور في حالة الهدوء والسلام - وأحيانا البلادة - التي رأيتها في الهند!؟