قد يكون من المتناقضات لدينا انه في الوقت الذي نشتكي فيه من أزمة السكن وارتفاع الإيجارات نرى العشرات من المباني الكبيرة بأحيائنا تحتوي على مئات الشقق المعدة للتمليك خالية منذ سنوات لم يتم بيعها على الرغم من تخفيض أسعار معظمها، ومع استمرار حالة الكساد في بيع تلك الشقق الجاهزة للسكن لم نحاول البحث عن الأسباب الحقيقية لذلك والحلول العملية لفشلها في حل أزمة السكن التي تتعلق بجودة البناء وتفاهم الملاك، لكون انخفاض الإيجارات سيخفض أسعار الأراضي، ولكن من يرى عدد وحجم تلك المباني الخالية بأفضل الأحياء على شوارع ال(30و36) م وبأسعارها المتفاوتة سيعتقد بان أزمة السكن لدينا مفتعلة بينما الحقيقة أن أسعار الأراضي المبالغ فيها هي أساس المشكلة. فأزمة السكن تسببت في اقتطاع جزء كبير من رواتبنا كإيجارات او أقساط عالية لجميع سنوات عملنا لشراء ارض صغيرة، ولكن الملاحظ أن جهاتنا تنظر للأزمة من منظور واحد ولم تحاول تفكيك المشكلة وتصنيف أسبابها لتكون الحلول فعالة وسريعة، ففي الوقت الذي ضخ الكثير من المستثمرين الأموال في بناء شقق التمليك ورفض المواطن شراء الشقة لتملك السكن لم تهتم جهاتنا ببحث أسباب ذلك العزوف وعدم الاستفادة من تلك الوحدات في حل أزمة السكن التي تمثل حلاً فاعلاً للازمة بمعظم الدول وخصوصاً لجيل الشباب كمرحلة مؤقتة لحين زيادة عدد أفراد الأسرة والتمكن من شراء السكن المستقل، والغريب أن خطط الإسكان والمطورين العقاريين تركز على تنفيذ شقق التمليك للتغلب على شح الأراضي وارتفاع أسعارها، وتم تجاهل كل التحقيقات والمقالات الصحفية التي أبرزت مشاكل ملاك الشقق لحلها بهدف خفض الإيجارات والتشجيع على شراء الشقق بدلًا من الاستئجار بمبالغ عالية، وبعيداً عن المبالغ بقيمتها تبعاً لمواقعها ومستوى تشطيبها، فإنه مع توفر شقق بمساحات مناسبة بأقل من (300) ألف ريال ويمكن تقسيطها لتملك السكن ولو مؤقتاً نجد المواطن يستأجر بمبلغ قد يتجاوز (30) ألف ريال! وذلك عائد لتجارب فاشلة في سوء البناء وتخلي مالك المبنى عن مسؤولياته وعدم وجود تنظيم يلزم جميع السكان بصيانة ونظافة المبنى وتجهيزاته وهو ما اجبر ملاك شقق لتركها وبيعها أو تأجيرها للغير والعودة للاستئجار من جديد. فالوضع الحالي في بعض المباني علاوة على تدني مستوى التنفيذ سيئ للغاية بعدم التزام جميع الملاك بدفع تكاليف النظافة والصيانة مما تسبب في عدم وجود حارس وسوء النظافة وتعطل المصعد لأشهر طويلة وعدم دفع قيمة وايت الماء ورفض الملاك إصلاح التسربات من شققهم.. الخ من السلبيات التي لم تتم معالجتها بإقرار التنظيم الحازم وتسببت في هدر الأموال والتقليل من صلاحية وعمر العديد من المباني. فالسبب الرئيس لحالة الفوضى بمباني شقق التمليك يتعلق إما بمالك المبنى بضعف مستوى التنفيذ باعتبار انه سيتخلص منها بعد بيع جميع الشقق وهو مايستلزم تحميله بمسؤولية حسن التنفيذ لمدة (10) سنوات، أو بمالك الشقة من خلال عدم دعم وتفعيل جمعية اتحاد الملاك كما هو مطبق في الدول الأخرى بإلزام ملاك الشقق بتكوينها وتحمل الجميع لتكاليف الصيانة والنظافة وتقويتها ومنحها قوة التنفيذ مع مركز شرطة الحي وشركة الكهرباء، وكمقترح لتلافي بعض المصاعب المالية يمكن أن تتضمن شهادة فرز الوحدات السكنية استثناء شقة واحدة في كل مبنى بإبقائها مع المرافق لايمكن بيعها وتخصص للتأجير وتحت تصرف جمعية اتحاد الملاك لتوفير موارد مالية لها للصرف على نظافة وصيانة المبنى وللتخفيف من الأعباء المالية على ملاك الشقق، ويمكن أن يُعهد لمكتب إدارة أملاك لمتابعة تحصيل الإيجار وتسليمه لجمعية اتحاد الملاك، كما يجب أن تتبع الجمعيات وزارة الإسكان بدلاً من وزارة الشؤون الاجتماعية للاختصاص في الشأن السكني، وذلك حتى يتم استغلال شقق التمليك في التخفيف من أزمة السكن وارتفاع الإيجارات وتلافي السلبيات الحالية.