في سيرة عمر أبو ريشة الشعرية صفحة شبه مجهولة تتعلق بعنايته بالمسرح في شبابه الباكر وقيامه بتقديم مسرحية شعرية له في مدينة حمص (وربما في سواها) ثم إعلانه بعد ذلك عن عدة مسرحيات وملاحم شعرية قال إنها ستصدر قريباً له، منها ملحمة عن الرسول العربي صلى الله عليه وسلم ومسرحية بعنوان «سميراميس» وأخرى بعنوان «عذاب»، أما المسرحية الأولى فكانت بعنوان «ذي قار» وقد نظمها وهو دون العشرين من عمره، وهي مسرحية ذات طابع قومي عربي أعادت إلى الذاكرة معركة ذي قار الشهيرة بين العرب والفرس التي وقعت مع بداية البعثة النبوية الشريفة أو قبلها بقليل. وقد تلت هذه المسرحية الأولى لأبو ريشة مسرحية أخرى بعنوان «محكمة الشعراء»، وهي مسرحية يحاكم فيها الشاعر جماعة الشعراء ومنهم أحمد زكي أبو شادي وشفيق جبري وجميل صدقي الزهاوي، وقد نشر فصلين منها في مجلة الحديث الحلبية عام 1934م ووعد بنشرها حين تكتمل، لكن الوعد لم يتحقق، مثله مثل وعود أخرى يبدو أن الشاعر لم يف بها إما لأن الظروف لم تتح له ذلك، وإما لأن ما أنجزه منها لم ينل رضاه. توفيق الحكيم كان العصر الذي شهد مسرحية «ذي قار» ووعود عمر أبو ريشة بكتابة مسرحيات وملاحم أخرى، هو عصر أمير الشعراء شوقي ومسرحياته الشهيرة مثل «مجنون ليلى» و«كليوباترة»، ولعل الفرق بين شوقي وعمر أن الأول اهتم بالشعر المسرحي في أواخر حياته فأنتج كمّا متميزاً منه وضع شوقي في خانة الشعراء التجديديين البارزين، أما عمر أبو ريشة فقد قدم إلى الشعر المسرحي وهو في بدايات حياته ليهجره بعد ذلك إلى الشعر الآخر، ويبدو أن مما شجعه على الاهتمام بالمسرح خطوة شوقي هذه، وتأثره بالمسرح الإنكليزي الذي عرفه عن قرب عندما كان طالباً في مانشستر بإنكلترا، والمؤسف أن عمر لم ينجر بصورة نهائية سوى عمل شعري مسرحي واحد هو «ذي قار»، أما المسرحيات الشعرية الأخرى التي وعد بها فلم يكتب سوى فصول أو قصائد متفرقة منها، ومن الطبيعي ألا يُعتّد الآن بمسرحيته الأولى «ذي قار» التي كتبها في شبابه الباكر (عام 1929م) وكان له من العمر ثماني عشرة سنة، وهي سنّ لا تؤهله لعمل مسرحي جاد يحتاج إلى دربة وخبرة ومعرفة بالتقنية المسرحية، والمسرحية تقع في 116 صفحة ألحق بها الناشر عشر صفحات أخرى للناقد حمدي كامل عنوانها «نظرة في شعر المؤلف». أحمد شوقي ويبدو أن عمر لم يكتفِ بكتابة المسرحية بل اقتحم المسرح ذاته عندما شكّل فرقة مسرحية عملت على تمثيل مسرحيته «ذي قار»، فكان عمله شبيهاً بعمل توفيق الحكيم من حيث انتقاله إلى جوار المسرح ومراقبته لما يجري فيه وتوجيه النصح إلى الممثلين والمخرجين الذين نقلوا أعماله إلى المسرح، فأحمد الجندي، وهو أديب سوري صديق لعمر، يقول إن تمثيل «ذي قار» في مدينة حمص جلب لعمر شهرة مفاجئة تجاوزت شهرته في مدينة حلب، وهي مدينته الأصلية. ويضيف الجندي مقدماً صورة لعمر ومعه فرقته التمثيلية التي قدمت معه من حلب: كنا ذات يوم في حمص، وأظن أن هذا قد كان في صيف 1933م، وقد أقبل على المدينة نفر من شباب حلب يريدون أن يمثلوا رواية شعرية، وتساءل الأدباء في حمص، وكانت مدينة الأدباء الشباب في ذلك الوقت، فعرفوا أن اسم الرواية «رايات ذي قار»، وأن اسم الشاعر الجديد عمر أبو ريشة وذهبنا مع الذاهبين واتخذنا مقعداً قريباً من المسرح، وجلس الأدباء متجاورين يلتفتون يمنة ويسرة وينتظرون قبل فتح الستار الشعر لا التمثيل. أحمد زكي