هناك ثورة اعتراضية حالياً من قبل فئة من الفنانين على معارض أقيمت مؤخراً هدفها ترجمة القصيدة الشعرية إلى لوحات فنية والسبب الرئيسي في اعتراضاتهم هو "أن الفنان حر في التعبير ولا يملى عليه ما يرسم ولعل من تابع منا صفحات الإنترنت ونخص منها موقع "الفيس بوك" الذي عبر البعض من خلاله عن رأيه بقوله: "إن من السذاجة بمكان أن يقيد المهتمون والمسؤولون عن الفن التشكيلي الفنان التشكيلي في منظومة الشعر بتسخير قدراته وإمكاناته في سبيل تحقيق أهداف وهمية بترجمة القصيدة الشعرية للوحة تشكيلية".. وهنا يتساءلون: "أين الحرية التي سعى من أجلها رواد الفن التشكيلي في أنحاء العالم في القرن العشرين؟. إن تضييق الخناق على أفكار وأحاسيس الفنان التشكيلي يعطل الاستقلالية الفكرية والحسية معاً؟. وفي الأخير يسألون عن الذي أوصلهم إلى هذا المستوى المنحدر من الفن التشكيلي فكراً وثقافة وحساً؟. «المرأة والحظ» لضياء عزيز ضياء ولكي نتطرق إلى الإجابات الموضوعية لما سبق ذكره من تساؤلات لعلنا نتذكر بعض ما استعرضناه في مقالات سابقة عن الحركات التشكيلية الفنية الحديثة وثورة رواد الفنون وتمردهم على الأساليب الفنية التي سبقت تجاربهم ومحاولة البحث الدائب من قبل هؤلاء الفنانين على نهج خاص يتميزون بطرحه وفكره وربما أغلب الفنانين قديماً وحديثاً يتمتعون بسمة النرجسية. ولعل الفن الأوروبي كان أكثر تقدماً نظراً لما تيسر له من نواحٍ ثقافية واكتشافات علمية واقتصادية واجتماعية. وقد هيأته الظروف لنا فرضاً وإلزاماً أو طوعاً واختياراً ولكنه واقع معاصر لا يتعارض إطلاقاً مع اجتهاداتنا الجادة في أبحاث التراث وإحياء أمجادنا الأصيلة المستوحاة من بيئتنا المحلية بماضيها العريق، فالفنون بوجه عام والتشكيلية منها على وجه الخصوص أصبحت وحدة عالمية تتخطى الفواصل اللغوية أو العرقية ومن خلال أساليبها المعاصرة تتسع رحابتها إلى الإيماءات التراثية لكي تستمد هويتها المحلية وتميزها. ولعل أهم نزعة في تاريخ الفنون والتي اعتبرها الفنانون بمثابة ثورة إبداعية في تاريخ التحديث هي النزعة التأثيرية وإذا عدنا بالتاريخ إلى ما هو أقدم من ظهور هذه النزعة سنجد الديكتاتور ومؤسس "المعهد الفرنسي" الفنان لويس دافيد قد فرض سلطته بفرض الكلاسيكية الجديدة على الفنانين في أكاديمية الفنون التابعة لمعهده من خلال نفوذ كان يمتلكه في هذا العهد في فرنسا، ورغم هذا تمرد الفنانون على أساليبه ومعتقداته الفنية، ولا نجد هنا وجه المقارنة بين "فرض الخناق" كما عرفه "المعترضون" مع فرض دافيد. فهناك فرق بين أنك تقرأ كتاباً يتضمن مفردات شعرية وتحولها بما يحلو لك من اتجاه فني إلى نص بصري، وحتى هذا الأخير لم يكن فرضاً فليست "الفكرة" فرضا عندما تكون مصدر استلهام بينما الفرض هو الإلزام أو التعصب لأسلوب أو اتجاه محدد. من أعمال الفنان أحمد فلمبان وحتى وإن فرض هنا اتجاه محدد فليس ملزماً على الفنان أن يتبعه فجميعنا يعرف النزعة "الرومانتيكية" عندما تفجرت كمدرسة فنية في أوائل القرن التاسع عشر وكانت تهدف إلى المبالغة في التعبير، والانفعالات، والمشاهد التراجيدية، وقادت التشكيل إلى التحديث السريع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، ورغم أنها لا توجد بجميع ملامحها في فننا المعاصر، ولكن ما زالت أغلب الأعمال الفنية تحمل قدراً معيناً منها ونهجها كثير من الفنانين. والرموز كثيرة في تاريخ الفن من حيث النزعات والمدارس والاتجاهات والحركات التي كانت إضافة للفنان بأن يتنقل بينها بدون أن يقلل من شأن قيمة أعماله أو عطائه الفني مثال على ذلك "فان جوخ"، و"بابلوا بيكاسو". من أعمال الفنان أحمد فلمبان إن عرض فكرة معرض يترجم نصوصا أدبية الى نصوص بصرية لا يقيد أفكار الفنان، فقد وضعه معارضو فكرته وكأنه أكاديمية لويس دافيد لا تعترف إلا بمن يرضخ من الفنانين لتعليماتها ولم تفرض سلطتها "الفكرة" على المبدعين بل طرحتها لمن لديه القدرة على التعبير من خلال الغرق في الانفعالات بحرية في معانٍ أو مضمون ما يحلو لمن يحلو له التعبير بدون شروط إجبارية سواء في الطرح أو الأسلوب أو الاتجاه، وليس هناك تعارض بين طرح حر بمواضيع مختلفة أو طرح أكثر من موضوع نصي إلى بصري طالما كانت المعالجات واعية وصادقة ومزودة بالمعارف والخبرات الجادة والمستنيرة. هناك آلاف المعارض الدولية القديم منها والحديث التي من شروطها توحيد الفكرة ولم تقيد فكر الفنانين أو تسبب انحداراً في المستوى التشكيلي كما وصف، فنحن في القرن الواحد والعشرين أمام ملايين المصادر من الاستلهام، والفنان قادر أن يتحدى بتصوراته الخيالية وتوظيفها كل حسب منهجه وقدراته الفنية. فحري بنا اليوم أن ننظر إلى ما هو أبعد بتقييم العملية الإبداعية، والحرص على نشر وعي التذوق الفني لدى العامة، وإيجاد آلية من ذوي الخبرة كمستشارين محايدين لوضع أسس وقواعد سواء للشروط التي يجب اتباعها والالتزام بها لإقامة هذه المعارض، أو من هم على وعي كاف بالحكم على مستوى الأعمال الفنية التي ترقى للعرض، ولا ننسى أهمية العملية النقدية النزيهة التي تطور من مستوى الأداء وتحلل الأعمال المشاركة تحليلاً نقدياً واعياً يستفيد منه الفنان، ويرفع الذائقة لدى الجمهور بدلاً من أن نرفع شعارات الاستهجان والاستنكار. من أعمال فهد خليف