بغض النظر عن كون تهديدات القتل التي تلقاها الباحث الدكتور سيد القمني على بريده الإلكتروني حقيقية أو مفبركة أو موضوعة بواسطة أحد مهووسي الإنترنت (وهي التهديدات التي نُسبتْ من خلال د.القمني إلى «جماعة الجهاد المحظورة في مصر» وإلى «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، ودفعت د.القمني إلى إصدار بيان أعلن فيه عن تنصله وتراجعه عن كافة كتاباته ومؤلفاته السابقة «كفرياته» معتزماً الاعتزال والتفرغ للحياة الأسرية)..، بغض النظر عن جدية تلك التهديدات أو عدم جديتها، وبغض النظر أيضاً عن الاتفاق أو الاختلاف مع الدكتور القمني في مضمون كتاباته على مدار سنوات عمره وفي مضمون البيان الأخير الذي أطلقه متبرئاً فيه من كافة مؤلفاته وطالباً الصفح من الجماعات التي تهدده..، فإن حالة من الاستنفار أو التحفّز قد ألقت بظلالها على العديد من المثقفين والمفكرين في مصر، حيث عادت إلى الأذهان ذكريات الإرهاب الفكري ومخططات اغتيالات الكتّاب والمثقفين والمبدعين، ومنها حادثة اغتيال الدكتور فرج فودة في أوائل التسعينيات، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ في عام 1994، وإبعاد الدكتور نصر حامد أبو زيد عن مصر بعد تكفيره والتفرقة بينه وبين زوجته بحكم محكمة، والتشهير بالكاتب أسامة أنور عكاشة والشاعر أحمد الشهاوي منذ بضعة شهور باعتبارهما قد تعرّضا لثوابت أو مقدسات دينية، وغيرها من الوقائع والأحداث التي خرجت بالقضايا الثقافية والفكرية الجدلية من دائرة الاختلاف أو حتى الخلاف إلى دائرة التهديد والرغبة في الانتقام والتصفية، وهذا ما يرفضه المثقفون والتنويريون كمبدأ، على اعتبار أن حامل القلم لا يملك في معركته سوى قلمه، وعلى من يخالفه في الرأي أن يبارزه بالقلم أيضاً وليس بالسيف. وقد استشرى بين المثقفين والمبدعين المصريين في الأيام القليلة الماضية إحساس بالقلق من إمكانية هبوب رياح الإرهاب الفكري، وبدأت القضية تطرح ذاتها للنقاش في الجلسات الخاصة للمثقفين وفي تجمعاتهم ومنتدياتهم الثقافية، كما اتخذ بعض الكتاب الصحفيين من «فرضية» تهديدات د.القمني ذريعة للتحذير من علو نبرة التيارات الدينية المتشددة في مصر وخارجها، الأمر الذي يتطلب تآزراً من المثقفين لمواجهة هذا الخطر المحدق. ومن جهتها، أفسحت صحيفة القاهرة الأسبوعية التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية مساحة لبعض المبدعين والكتّاب لكشف ملامح الإرهاب الفكري في مصر، وتقديم حلول لكيفية التصدي له، وقد أوصى محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر بضرورة تكاتف كافة مؤسسات المجتمع المدني والهيئات والجهات والمنظمات الثقافية لاتخاذ موقف حاسم ضد «الجماعات الظلامية»، وطالب الكاتب محفوظ عبد الرحمن بحشد العدة والعتاد لمناصرة التنوير في معركته ضد «قوى التخلف والرجعية»، وحذر الكاتب أسامة أنور عكاشة من صحوة «الخلايا الإرهابية» التي كانت نائمة منذ سنوات، وطالب بضرورة الاستعداد أمنياً لموجة جديدة من العنف قد تعتري البلاد. وكان الصحفي خالد زغلول؛ صاحب دار «مصر المحروسة» للنشر، وناشر الكثير من كتب الدكتور سيد القمني؛ قد طالب بضرورة أن تؤخذ التهديدات التي تلقاها الدكتور القمني بجدية، بغض النظر عما إذا كانت التهديدات صادرة من هذه الجهات المنسوبة إليها بالفعل أو أنها مزورة، وأشار زغلول إلى أن التراخي في تتبع التهديدات التي وصلت في مرحلة سابقة إلى الكاتب الدكتور فرج فودة قد أدى إلى تنفيذ واقعة الاغتيال ضده بالفعل. وشدد زغلول في حديثه ل «الرياض» على ضرورة التفرقة بين الاختلافات أو حتى الخلافات الثقافية والفكرية والبحثية، وبين دعاوى التكفير وإهدار الدم التي تحوّل حياة الكتّاب وحملة الأقلام وأصحاب وجهات النظر إلى كابوس مرعب. ومن جهتها، فقد استبعدت الجماعة الإسلامية في مصر فكرة أن تكون التهديدات التي وصلت إلى الدكتور سيد القمني جادة، وذلك باعتباره ليس من الكتاب أو الباحثين ذوي الاعتبار، فضلاً عن أن الاغتيالات ليست من سياسة الجماعة في الوقت الراهن إزاء الكتاب والمثقفين الذين تختلف معهم. ويشار إلى أن الدكتور سيد القمني حاصل على الدكتوراه في فلسفة الأديان، وله العديد من المؤلفات والكتب التي قابلها الكثيرون من المعتدلين (فضلاً عن المتشددين) بالتحفظ والازدراء، ومنها: «أهل الدين والديموقراطية»، «الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية»، «شكراً ابن لادن»، وغيرها.