حين أطلق الرئيس الأمريكي "أوباما" مبادرة الخريطة الدماغية والمبلغ المالي الكبير المقترح لدعم هذه المبادرة، تحدث الكثيرون عن أهمية هذه الفكرة العلمية وقارنوها بمشروع خريطة الجينوم البشري من ناحية الفكرة البحثية والتقنية المتطورة التي ستسخدم. يشكل المخ، طريقة التفكير، طريقة التذكر، وحتى طريقة النسيان لغزاً بالنسبة للباحثين. والغموض بالنسبة لأي باحث هو فرصة للاستكشاف. العقل البشري بكل إنجازاته وإخفاقاته يشكل مادة علمية جيدة للبحث. حين تغير المسار من مجال الأبحاث الوراثية في مجال السرطان إلى أبحاث الوراثة والعلوم العصبية، تحول المخ البشري في نظري من مجرد أداة للتفكير وتخزين المعلومة إلى عالم يحدد ملامح هذا الإنسان. أصبحت أنتبه لتطور الطفل العقلي لاكتسابه للمفاهيم لتعلمه عن طريق المحاكاة والتكرار. أصبحت أتأمل الذاكرة في انتقائيتها لما تتذكره، والخيال الذي يأخذ دوره أحيانا لإكمال الصورة. أصبحت أتوقف أمام المهام العقلية التي يفقدها الشخص تدريجياً حين تصيبه بعض أمراض الشيخوخة العصبية. لم تعد هذه مجرد مشاهدات بل هي دلائل تذكرني أنا هذا الكائن البسيط بالدور الذي يلعبه العقل/الدماغ/المخ. حين أصبح مفهوم "الصورة الجينية" - إن صحت التسمية - مفهوماً دارجاً وأحد مجالات البحث العلمي المطروقة مع توفر تقنية التصوير الوظيفي باستخدام الرنين المغناطيسي والتطور التقني عالي المستوى في مجال الأبحاث الجينية، في محاولة لربط الأداء الوظيفي لمخ الإنسان نتيجة تعرضه لمحفز معين بالمتغيرات الوراثية التقى مجالان بحثيان مختلفان في محاولة لفهم مخ/دماغ/ عقل الإنسان. ورغم أن الباحثين مازالوا في مرحلة "ربما ونعتقد" المبنية على مشاهدة واستنتاج إلا أن المجالات البحثية هذه تشكل تحدياً يحفز أي باحث مهتم أن يشارك فيها ليتعلم ويعرف. فحين تنظر لصورة "المخ" ثلاثية الأبعاد وقد تلون جزء منها بلون أحمر تحاول أن تربط بين المحفز الذي استجاب له هذا الجزء وبين تركيبة خلاياه البروتينية والجينية على الصورة تصبح أكثر وضوحاً. وحين تطالع موقع "الأطلس الدماغي" تجد كمية كبيرة من المعلومات عن البروتينات المتنوعة وتركيزها في مناطق المخ المختلفه. وحين تطالع محركات البحث الوراثية تجد التسلسل الجيني أمامك بحروفه. كمية المعلومات كثيرة ومتنوعة لكننا ما زلنا نجهل الكثير مما يدل على تعقيد هذا العقل البشري وعلى غموضه. وظائف المخ كثيرة ومتنوعة وأسراره أيضا كثيرة، مازلنا نتساءل كيف نفكر؟ كيف نتذكر؟ كيف نستحضر المعلومة؟ كيف نستخدم المنطق؟ كيف نتواصل مع محيطنا؟ كيف نتعلم؟. هذه المبادرة لها دلالات كثيرة؛ أولها أهمية البحث العلمي وأهمية الانفاق عليه، فنحن مازلنا في زمن البحث والاكتشاف وهاهو العقل البشري يحاول أن يكتشف نفسه.