اختلاف وجهات النظر حيال امر واحد امر طبيعي الى حد الفطرة .. مستهجن بين المختلفين حد التنابز و التشاحن .. و مهما تكلمنا او كلمونا عن التعايش و التحاور و التناقش و التسامح نهز رؤوسنا و نقل نعم .. لكننا فعليا لا نقبل بسهولة الطرف الثاني و الرأي الثاني و الاعتقاد الثاني .. الآخر هو الشيطان .. هكذا يرى كثير من الناس من يخالفه اعتقادا او رأيا او طريقة معيشة او حتى لسانا ... احيانا تجمعنا الحياة بأناس نتوسم فيهم خيرا و يعجبنا استهلالهم و يروقنا ترتيب عقولهم ، نشاركهم المجاملة و الابتسامة الرقيقة و الدعاء الصالح حتى اذا تشعب الحديث و تشعبت الافكار و اقروا بشيء ننكره او قالوا بشيء نجهله او اظهروا شيئاً يخالف ما اعتدنا عليه ، بدأت قنوات استشعار الغضب في التحفز و بدأ العقل في اعطاء اشارات الخطر التي يغلق على أثرها كل مدخل للتنور و التبصر و الفهم .. باب تقبل الآخر يصبح صديئاً تكاد لا تزحزحه كلمة و باب التعايش يصبح مغطى بالاشواك مستعدا لادماء من يقترب منه و باب التفهم نكهربه ، و باب التقبل نلغمه .. ثم نترك بابا واحدا مفتوحا جاهزا لنطرد من خلاله ركلا الشخص الذي لا يشبهنا .. و الغريب اننا نفعل هذا الامر باحترافية عالية و نصدق انفسنا جدا حين نقول بالتقبل و التحاور و التسامح .. و لعلنا حقا صادقين حين نقول بهم بغير تجربة و لا ثقافة .. و نحن حقا تنقصنا هذه الثقافة و نفتقد فعليا للتجربة فيها .. و نعم انا ألوم المدرسة و المدرسين و المناهج و المنابر و الاعلام و آباؤنا انفسهم على تسطيح ثقافة ان نعرف ، ان نفهم ، ان نجرب ، ان نخالف و لو من باب الفضول .. جميعهم اشتركوا في صنع حصن حصين وضعونا فيه بلا ابواب و لا نوافذ و قالوا لنا هذا هو الكون كله و ما هو خارج هذا الحصن عدو ، شرير ، شيطان .. لا تناقشوهم ، لا تحاوروهم لا تسمعوا لهم .. الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها .. و صدقناهم .. و انغلقنا على انفسنا نصادق من يشبهنا و نعادي من يختلف عنا .. صدقناهم حتى فوجئنا بمن هم خارج الحصن يقتحمونه علينا من اطرافه و في غمرة انشغالنا بصدهم و رفضهم فاتنا ان نلمح ان لهم ملامح تشبهنا وان لهم عقولاً مثلنا و قلوباً مثلنا حريصون على الحياة مثلنا ، يبحثون عن الحق و العدل و الجمال و السلام مثلنا .. يختلفون في واحد و يتفقون في عشر .. فاتنا لأننا لم نشعل المصباح و اكتفينا بالرفض و لأن فينا من ألقم كل مصباح حجراً ليطفىء نور السؤال و ضياء الاجابة .. لكن ثمة جيلاً جديداً عرف و فهم و لم تعد تشغله الحصون و الجدر تخطاها حتى دون ان يغادر هؤلاء لن يقبلوا بانصاف الفهم او انصاف الحقيقة او انصاف الحياة .. ومن هؤلاء نحتاج ان نتعلم ..